الحديث الستون: روى جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إذا رأيتم الريح فلا تسبّوه فإنها من نفس الرّحمن تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فاسألوا اللّه خيرها واستعيذوا باللّه من شرها».
النفس بمعنى التنفيس عن المكروب(١). ومثله ما روى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إني لأجد نفس ربكم من جهة اليمن» يعني تنفيسه عن الكرب بنصرة أهل المدينة إياي، والمدينة من جانب اليمن وهذا شيء لا يختلف فيه المسلمون.
وقال ابن حامد: رأيت بعض أصحابنا يثبتون للّه تعالى وصفا في ذاته بأنه يتنفس، قال: وقالوا الرياح الهابّة مثل العاصف والعقيم والجنوب والشمال والصبا والدبور مخلوقة إلا ريحا من صفاته هي ذات نسيم خيالي وهي من نفس الرّحمن.
قلت: على من يعتقد هذا اللعنة لأنه يثبت جسدا مخلوقا، ما هؤلاء بمسلمين.
قال المصنف: ولما علم بكتابي هذا جماعة من الجهال لم يعجبهم لأنهم ألفوا كلام رؤسائهم المجسمة فقالوا : ليس هذا المذهب.
قلت: ليس مذهبكم ولا مذهب من قلدتم من أشياخكم، فقد نزهت مذهب الإمام أحمد ونفيت عنه كذب المنقولات وهذيان المقولات غير مقلد فيما أعتقده، وكيف أترك بهرجا وأنا أنقده وقلت:
سبقت بحمد اللّه من كان من قبلي |
|
فقل للذي يرجو لحاقي على مهل |
وإنكم لو تنقصون عتابكم |
|
لعزّ على التفتيش أن تجدوا مثلي |
ثم قصيدة مطولة وهي:
حمدت إلهي كيف لا وله الفضل |
|
كما قد تولاني فذلت لي السبل |
وأخرجني من بين أهلي مفهما |
|
وعلّمني علما به قيمتي تغلو |
وحركني للمكرمات أحوزها |
|
فهمة نفسي دائما أبدا تعلو |
وألهمني بالعلم حتى ملكته |
|
فصار مرير الصبر عند فمي يحلو |
وقد زاد عشقي للعلوم فأصبحت |
|
كتمثال ليلى عند قيس فما يسلو |
__________________
(١) يقول الزمخشري في أساس البلاغة: وما لي نفس أي فرج. وقال ابن قتيبة: وقد فرج اللّه عن نبيه صلى اللّه عليه وسلم بالريح يوم الأحزاب، قال تعالى: (فَأَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهٰا) [الأحزاب: ٩].