أن يطلق على كلامه شيء من أمارات الحدث من حرف ولا صوت ، ولا يقال إن القديم يجوز حلوله في المحدث كحلول الشيء في الشيء. وقد قدّمنا الأدلة على جميع ذلك وحققناه ، ومذهب المشبهة الحلولية المجسمة ؛ أن كلام الباري حروف وأصوات وأنه قديم ، وأن الحروف والأصوات التي توجد في كلام الخلق كلها قديمة ، لا أخصص بعضهما على بعض ، وهذا قول يفضي إلى قدم العالم عند كل محقق ، ومنهم من قال : بل الأصوات والحروف إذا ذكرنا الله تعالى بها أو تلونا به كلامه قديمة ، فإذا ذكرنا بها غير الله وأنشدنا بها شعرا كانت محدثة ، وهذا جهل عظيم وتخبط ظاهر ، لأن الشيء عندهم على هذا القول تارة يكون محدثا ثم يصير قديما ، وتارة قديما ثم يصير محدثا ، وليس في الجهل أعظم من هذا وكفى به ردا لقولهم. ومنهم من يقول : أصواتنا وحروفنا بالقرآن قديمة وبغير القرآن محدثة ، وهذا مثل القول الأول على الحقيقة وإن اختلفت العبادة ، وقد بيّنّا فساده ، ومنهم من حدث في هذا الوقت وبان له فساد الأقوال المقدّم ذكرها فقال بجهله : أقول إن القرآن بأصوات وحروف تكلم بها الله ، وإن كلامه حروف وأصوات ، لكن حروف قديمة وأصوات قديمة. لا تشبه هذه الحروف والأصوات المخلوقة التي تجري في كلام الخلق ، وهذا أيضا جهل من قائله ، ويؤدي أن لا يكون في المصاحف القرآن. لأن الحروف التي تكتب بها المصاحف هي هذه الحروف التي تجري في سائر ما يكتب ويؤدي إلى أن القرآن الذي نقرؤه ليس بقرآن ، لأن القرآن بحروف وأصوات قديمة ، ولا تشبه هذه الحروف والأصوات ، ونحن لا نسمع إلا صوتا مثل هذه الأصوات ، ولا نرى حرفا ولا نسمعه إلا مثل هذه الحروف ؛ وهذا القول يوجب أن لا يكون عندنا قرآن بالجملة أو يؤدي إلى أن يكون هذا القرآن بهذه الحروف والأصوات المعروفة غير ذلك القرآن الذي هو بحروف وأصوات قديمة ، لا تشبه هذه الحروف والأصوات ، والجميع فاسد باطل ، وسيأتي بطلان مقالتهم في هذا وغيره في جواب ما يزعمون أنه حجة لهم في هذا وغيره ، إن شاء الله تعالى.
وزعمت المشبهة أن القراءة هي المقروء ، والتلاوة هي المتلو ، وزعموا أن القديم يحل في المحدث (١) ويختلط به ، وتمسكوا في جميع ذلك بآيات وآثار زعموا أنها حجة لهم فيما صاروا إليه من هذه البدعة العظيمة التي جميعها يدل على أن كلام الله مخلوق محدث ، فاحتجوا في التلاوة هي المتلو ، وأن الله يسمى تاليا ، ولا فرق
__________________
(١) كما هو رأي السالمية (ز).