مجراها أن حقيقة الكلام هو المعنى القائم بالنفس. وله الحكم في الصدق والكذب دون الحروف والأصوات التي هي أمارات ودلالات (١) على الكلام الحقيقي.
ويدل على ذلك من جهة السنة قوله صلىاللهعليهوسلم : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه». وهذا في حق المنافقين ، فأخبر صلىاللهعليهوسلم أن الكلام الحقيقي هو الذي في القلب دون نطق اللسان ، وأن الحكم للكلام الذي في القلب على الحقيقة وأن قول اللسان مجاز قد يوافق قول القلب وقد يخالفه. وأيضا قوله صلىاللهعليهوسلم : «الندم توبة» فأخبر صلىاللهعليهوسلم : أن العاصي إذا نوى بقلبه الندم على المعصية منها أن ذلك حقيقة التوبة ، وأن استغفار اللسان تبع لذلك ، فصحّ أن الكلام الأصلي الحقيقي المعنى القائم بالنفس.
وأيضا قوله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تبارك وتعالى : إذا ذكرني عبدي في نفسه» فأثبت الذكر للنفس ، فالذكر والقول ، والكلام ، واحد ، فعلم أن حقيقة الكلام المعنى القائم في النفس.
ويدل على ذلك أيضا قول عمر رضي الله عنه : زورت في نفسي كلاما فأتى أبو بكر فزاد عليه. فأثبت الكلام في النفس من غير نطق لسان ، وعمر كان من أجل هذا اللسان والفصاحة وهو أحد الفصحاء السبعة ، والعربي الفصيح يقول كان في نفسي كلام ، وكان في نفسي قول ، وكان في نفسي حديث ، إلى غير ذلك. وأنشد الأخطل :
لا تعجبنك من أثير خطبة |
|
حتى يكون مع الكلام أصيلا |
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
واعلم أن مذهب أهل الحق والسنة والجماعة أن كلام الله القديم ليس بمخلوق ، ولا محدث ، ولا حادث ، ولا خلق ، ولا مخلوق ، ولا جعل ، ولا مجعول ، ولا فعل ، ولا مفعول. بل هو كلام أزلي أبدي هو متكلم به في الأزل ، كما هو متكلم به فيما لا يزال. لا أول لوجوده ، ولا آخر له ، وأنه لا يقال إن كلامه حكاية ولا عبارة ولا إني أحكي كلام الله ، ولا إني أعبر كلام الله ، بل نقول : نتلو كلام الله ، ونقرأ كلام الله ، ونكتب كلام الله ، ونحفظ كلام الله ، وأنه يجب التفرقة بين القراءة والمقروء ، والتلاوة والمتلو ، والكتاب والمكتوب ، والحفظ ، والمحفوظ ، ولا يجوز
__________________
(١) وهذا يعود إلى ما حققه السعد كما سبق (ز).