المنع مع الجواز هناك ، والحقّ عدم الفرق منعا وجوازا بين أن يكون المنهي عنه عنوان الخصوصيّة أو عنوان التخصّص ، وأنّا لو قلنا بجواز الاجتماع في المسألة السابقة لزمنا القول به هنا.
توضيحه : أنّ الأمر بالصلاة ليس له اقتضاء بالنسبة إلى التخصّصات المتصوّرة فيها الزائدة على أصل الطبيعة الصلاتيّة ، وأمّا اقتضاؤه فمقصور بمتعلّقه ـ وهي نفس الطبيعة دون الخارج عن متعلّقه كان ذلك تخصّصا أو خصوصيّة ـ بحيث لو أمكن للمكلّف الإتيان بهذه الطبيعة بلا كلّ زائد عن نفسها لصحّت ووقع بها الامتثال.
فكلّ ما يفرض من تخصّص ـ ككلّ ما يفرض من خصوصيّة ـ خارجة عن اقتضاء الأمر بالصلاة. ولأجل ذلك كان المكلّف مخيّرا بين كلّها. فإذا كانت خارجة فأيّ مانع عن اقتضاء الأمر بالصلاة من إدخالها تحت اقتضاء آخر من أمر أو نهي ، فالعبادات المكروهة كالعبادات المباحة ، فكما أنّ تلك الواجبات بالذات ومباحات بالتخصّص كذلك هذه واجبات بالذات ومكروهات بالتخصّص. ومثلهما العبادات الواجبة بالذات ، المستحبّة بالتخصّص ، والكلّ من واد واحد ، والكلّ لا مانع منه ؛ فإنّ محلّ توجّه أحد الطلبين غير محلّ توجّه الآخر.
فلذلك تقع نفس الطبيعة في الكلّ صحيحة مطابقة لأمرها وإن كانت بتخصيصها معصية معاقبا عليها.
ومطابق تعبيرنا السابق في المقام هو أن نقول : إنّ تحديد عالم الكون بالحدّ الصلاتي مطلوب لا مأمور به ، وتحديده بحدّ الصلاة في الحمّام مبغوض منهي عنه ، وتحديده بحدّ الصلاة المسجدي مطلوب آخر ، وبحدّ الصلاة في الدار مباح. هذا فيما له بدل من العبادات.
وأمّا ما لا بدل له كصوم يوم عاشوراء والنوافل المبتدئة في الأوقات المكروهة فلا مجال لتصحيحها بما ذكرناه. بل لا بدّ من التصرّف في ظاهر أحد الخطابين ليخرج التكليف عن كونه تكليفا بالمحال مثل : أن يكون النهي إرشادا إلى أنّ في الترك أيضا عنوان راجح لو ترك بقصده كان عبادة ، كأن يقصد بترك صوم يوم عاشوراء مخالفة بني أميّة والتبرّؤ من أفعال أعداء الله ـ فيتخيّر المكلّف بين العبادتين كسائر العبادات المتزاحمة ـ فإن صام نال أجر الصائمين ، وإن ترك بقصد مخالفة أعداء الله وصله أجر ذلك ، ولعلّ مداومة الأئمة عليهمالسلام على الترك لأجل عدم الداعي حينئذ إلى الفعل وتحمّل مشقّته بعد أن أمكن