جهتين : فتارة يبحث في إمكان الاجتماع واستحالته ذاتا ، وأخرى في إمكانه واستحالته بالغير ومن جهة كونه تكليفا بالمحال ، فيستحيل صدوره من الحكيم ، وفي هذا يعتبر المندوحة إخراجا له عن التكليف بالمحال.
فعلينا أن نشرح البحث في كلّ من الجهتين مستقلّا كي لا يختلط كلام بكلام. ونعتذر إليك أمام البحث عمّا يقع من التكرار لبعض ما تقدّم في الأبحاث السابقة ؛ فإنّ ذلك حرص على اجتماع جميع جهات الكلام في المقام كي لا يفوت أمر بتفرّقها.
فنقول : أمّا الجهة الأولى ـ أعني البحث عن إمكان الاجتماع واستحالته ذاتا ـ فهو بحث ناشئ عن الاشتباه في متعلّق الطلب ، وأنّه هل يتعلّق بالوجود أو يتعلّق بالماهيّة؟ وبعبارة أخرى تخصّصات الوجود وحدوده يشمل الحدّ الذاتي والعرضي ، فهل الوجود بحدوده متعلّق الحكم ، أو متعلّق بحكم نفس الوجود وذاته؟
فإن كان الأوّل فالوجود واحد وهو لا يتحمّل حكمين ، وإن كان الثاني فالحدود متعدّد ـ وإن اجتمعا في وجود واحد وكانا جميعا حدّي وجود واحد ـ والعبرة في الجواز والامتناع على وحدة معروض الحكم وتعدّده لا على وحدة ما هو الخارج عن هذا المعروض وتعدّده.
والحقّ في المقام هو أنّ متعلّق الطلب تحديد الوجود لا إحداثه وجعله ، فلا بأس بالاجتماع بل ليس باجتماع في معروض واحد.
والذي يدلّك على ذلك وجوه :
الأوّل : أنّ ما يصدر منّا من الأفعال ليس إلّا تحديد الموجودات ، والتصرّف في الموجودات ، وإخراج موجودات هذا العالم من حدّ إلى حدّ ، ومن كساء إلى كساء دون إحداث الوجود وخلقه ؛ فإنّ ذلك خارج من وسعنا ولا تتعلّق به قدرتنا ، وما لا تتعلّق به القدرة لا يتعلّق به الطلب من المولى ولا الإرادة من النفس ، فشغلنا تبديل الصيغة وحركة الموجودات ونقلها من حدّ إلى حدّ ومن مرتبة إلى مرتبة.
والسائر في تمام المراتب أصل محفوظ لا يعتريه كثرة ، وواحد متّصل ليس له انفصام ، وهو حاصل لا بتحصيلنا ، ففي مثال «صلّ» و «لا تغصب» تحديد البدن بالحركات الصلاتيّة واجب ، وتحديده بالحركات الغصبيّة حرام. فإذا صلّى في الدار المغصوبة فمطابق كلمة الصلاة حدّ غير الحدّ الذي هو مطابق كلمة الغصب ، ومطابق الأوّل مأمور به ومطابق الثاني