لها أسّس بناءه على هذا المعنى في الوضع ، وزعم فيه ما زعمه المحقّق المذكور من التعهّد ، وهو وهم في وهم ، فلا الألفاظ تدلّ على المعاني المرادة ، ولا الوضع معناه التعهّد. ومجرّد كونه أمرا معقولا لا يستدعي ثبوته ، لا سيّما مع عدم ترتّب الغرض المقصود عليه.
وممّا ذكرناه في حقيقة الوضع يسهل لك فهم حقيقة الاستعمال فإنّه من رشحاته ؛ إذ الاستعمال ليس إلّا إعمال الوضع وإنفاذه ، وجعله فعليّا منجّزا بأن يذكر اللفظ مشيرا به إلى المعنى ، فما صار وحدث بالوضع هو قوّة محضة ، وفعليّتها تكون بالاستعمال ، فما لم يستعمل اللفظ لم تتحصّل به الإشارة. نعم ، هو آلة إشارة وأداة دلالة ، ومهما كان من استعمال فهو مسبوق بالوضع من شخص المستعمل ، فكلّ مستعمل هو واضع وإن لم يكن مخترعا للوضع بل متّبعا لواضع آخر فليس معنى اختيار لغة إلّا عبارة عن الالتزام بأوضاع تلك اللغة ، ووضع ألفاظها بإزاء المعاني التي وضعها واضع تلك اللغة ، فالتّابع والمتبوع كلّ في عرض واحد في الوضع.
نعم ، ذاك أظهر وضعه بتصريحه وهذا أظهره باختياره لغته ، وأيضا ذاك أسّس الوضع واخترعه وهذا جرى على منواله. هذا في الحقائق ، وسيجيء أنّ مفتاح باب المجازات أيضا هي أوضاع الحقائق.
المعنى الحرفيّ
إذا نظرنا إلى المعاني ـ وهي جميع أجزاء العالم ـ رأينا بسائطها وموادّها العنصريّة لا تشذّ عن ثلاث ، وهي : الذوات ، وحركات الذوات ، والروابط وهي النسب بين تلك الذوات والحركات.
ونعني بالذوات ما يقابل الحركات ، فتشمل الجواهر والأعراض.
ونعني بالحركات المعاني الحدثيّة ، وهي الأفعال اللغويّة المدلول عليها بالمصادر ، وكأنّه المراد من قوله عليهالسلام : «والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى» (١) مريدا منه الفعل اللغوي دون الاصطلاحي.
__________________
(١) روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «إنّ الاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما ليس باسم ولا فعل» (معجم الأدباء ١٤ : ٤٩ ؛ كنز العمّال ١٠ : ٢٨٣ ، رقم ٢٩٤٥٦).