سعة كلّ من الوضع والموضوع له لا يتجاوز عن سعة الآخر ، ولا يتخطّى كلّ منهما صاحبه. فالمعنى الملحوظ حال الوضع لا بدّ أن يكون هو الموضوع له دون غيره غير الملحوظ حاله ، فإن كان الملحوظ عامّا كان الوضع والموضوع له عامّين ، وإن كان خاصّا وجزئيّا حقيقيّا كان الوضع والموضوع له خاصّين.
وما قيل في تصوير الوضع العام والموضوع له الخاصّ من أنّ العامّ حدّ من حدود الخاصّ ووجه من وجوهه ـ حيث إنّ الخاصّ عبارة عن ذاك العام مع الخصوصيّة الزائدة ، فهو مشتمل على العامّ والعامّ وجه من وجوهه ـ وتصوّر وجه الشيء تصوّر للشيء بوجه ، وهذا المقدار من التصوّر كاف في وضع اللفظ ، ولا يفتقر الوضع إلى تصوّر الموضوع له بكافّة خصوصيّاته وعامّة حدوده وجهاته (١).
يدفعه : أنّ الخارج من التصوّر خارج من الوضع ، فعند ما تصوّرنا العامّ كمفهوم الإنسان مثلا ، فإمّا أن نضع اللفظ بإزاء هذا الذي تصوّرناه فلا إشكال ، وإمّا أن نضع بإزاء جزئيّاته ومصاديقه ، وحينئذ لا يخلو إمّا أن يراد من الجزئي والمصداق مفهوم الجزئي والمصداق ، فلا ريب أنّ مفهوم الجزئي والمصداق أيضا مفهوم عامّ قد حصل تصوّره ، فيكون الوضع والموضوع له عامّين ؛ أو يراد من الجزئي والمصداق مصداقهما ، ولا ريب أنّ المصداق غير متصوّر ، ومع ذلك كيف يتصوّر وضع اللفظ له؟
وظنّي أنّ الاشتباه وحسبان تحقّق الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ نشأ من هذا ، فاختلط مفهوم المصداق ومفهوم الجزئي بمصداقهما.
والحاصل : أنّ كلّ ما حصل تصوّره وكلّ ما حضرت صورته في النفس جاز الوضع له ، وكلّ ما لم يحصل لم يجز. فالجزئيّات الحقيقيّة إن حصلت صورتها بما هي جزئيّات جاز الوضع لها ، وإن لم يحصل سوى صورة عنوان كونها جزئيّا ـ وهو أيضا غير كلّي ـ لم يجز الوضع إلّا لهذا العنوان الحاصل دون المعنونات غير الحاصلة صورها في الذهن. فالعامّ وإن كان وجها من وجوه الخاصّ لكن تصوّره لا يجدي في الوضع للخاصّ غير المتصوّر.
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٣٢ ؛ كفاية الأصول : ١٠ ؛ بدائع الأفكار : ٣٩ ـ ٤٠.