ويكون المراد من كلمة «مرادة» ما أريد إحضاره في ذهن المخاطب ، فيكون إشارة إلى ما سبق في معنى الوضع من أنّ لازم تعريف الوضع بالتعهّد ـ بعدم ذكر اللفظ إلّا عند إرادة تفهيم المعنى ـ هو أن تكون مداليل الألفاظ ومعانيها هي الإرادات دون ذوات المعاني ، فكان معنى «زيد» هو إرادة إحضار صورة زيد في ذهن المخاطب. لكن سبق بطلان المبنى ، وأنّ الوضع ليس إلّا التنزيل بين الألفاظ وذوات المعاني ، وأثر هذا الوضع أن يشار بلفظ «زيد» إلى ذات زيد.
نعم ، اختيار التلفّظ بلفظ «زيد» كاشف عن أنّ المتلفّظ داعيه إلى التلفّظ إحضار صورة المعنى في ذهن المخاطب ، ويريد أن يفهمه ذلك ، كما هو الشأن في الإشارة بالجوارح ، لا أنّ هذه الإرادة مدلول اللفظ وقد أشير باللفظ إليها. والدلالة التي هي تابعة للإرادة هي هذه الدلالة ـ إذ كانت مدلولها الإرادة ـ دون تلك الدلالة الأولى التي هي نتيجة الوضع ، فإنّها دلالة وإشارة إلى ذات المعنى بلا مدخليّة للإرادة.
بطلان تقسيم الوضع إلى تعييني وتعيّني
من الأغلاط تقسيم الوضع إلى تعييني وتعيّني ، بل كلّ وضع هو تعييني ولا وضع حاصل بالقهر ولأجل كثرة الاستعمال ؛ فإنّ الوضع من الأمور القلبيّة لا من الأمور الخارجيّة ليقبل القهر. فإن حصل ذاك التعيين القلبي والجعل النفساني جاز الاستعمال وحصل التعيّن ، وإلّا لم يجز بل احتاج الاستعمال إلى رعاية علاقة وإقامة قرينة وإن بلغ من كثرة الاستعمال ما بلغ ، ولا تكون كثرة الاستعمال موجبا لتعيّن اللفظ فيما كثر استعماله فيه.
نعم ، لا نأبى أن تكون كثرة الاستعمال كاشفة عن البناء والجعل النفساني ، ويكون سبب تعيّن اللفظ هو ذاك دون هذا الكاشف. فسبب التعيّن لا زال هو التعيين القلبي ، والكاشف عن ذاك التعيين يختلف ، فتارة قول : «وضعت» وأخرى كثرة الاستعمال ، كما قد يكون ثالثة استعمال واحد كاشفا عنه ، كما إذا قامت قرينة على أن المستعمل باستعماله هذا أراد إظهار وضعه.
وعلى ما ذكرناه فكثرة الاستعمال ـ وإن بلغت ما بلغت ـ لم توجب الوضع والتعيّن ما