الفور والتراخي
صيغة الأمر لا تقتضي سوى طلب الطبيعة من غير تقييد بالفور. ولازمه جواز كلّ من الفور والتراخي إذا كان الإطلاق في مقام البيان من هذه الجهة. وأمّا التقييد بالتراخي فالظاهر هو أنّه لم يحتمله أحد. والكلام في المقام هو الكلام في المسألة السابقة فلا نعيد.
وقد يستدلّ على الفور بآيتي المسارعة (١) والاستباق (٢) وذلك خطأ واضح ؛ فإنّ الآيتين إن دلّتا على الفور كانتا دليلين خارجيّين على وجوب الفور ، وذلك أجنبي عن محلّ البحث الذي هو دلالة الصيغة.
مع أنّ قضيّة الآيتين وجوب الفور مستقلا لا قيدا في المطلوبات الأوّليّة لتفيدا التقييد في إطلاق الخطابات الأوّلية ، بل مادّتي المسارعة والاستباق تقتضيان سعة الوجوب وشمولاه للمأتي به متراخيا ، وإلّا لم يكن الإتيان فورا مسارعة ولا استباقا.
ومن أعجب ما تمحّل في المقام حمل الآيتين [آية (فَاسْتَبِقُوا) ، وآية (وَسارِعُوا)] على الاستحباب أو الإرشاد ، زاعما بأنّهما لو كانتا للإيجاب لكان البعث بالتحذير على تركهما أنسب ، وبأنّ العقل مستقلّ بحسن المسارعة والاستباق (٣) ؛ لمنع الأنسبيّة أوّلا ، ومنع لزوم مراعاة الأنسب ثانيا ، وإلّا وجب حمل جلّ الخطابات الإلزاميّة
__________________
(١) آية المسارعة هي قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) آل عمران (٣) : ١٣٣.
(٢) آية الاستباق هي قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) البقرة (٢) : ١٤٨ والمائدة (٥) : ٤٨.
(٣) كفاية الأصول : ٨٠.