المستقلّة التي مصاديقها المعاني الربطيّة. فظهر الحقّ وبطل ما كانوا يعملون ، ولغى النزاع في المعاني الحرفيّة ، وأنّها كليّة أو جزئيّة ، فإنّ الوضع لها غير معقول ، وكيف يوضع اللفظ بإزاء ما هو خارج عن اللحاظ والتوجّه الاستقلالي؟!
وأمّا الوضع للمفاهيم المستقلّة فهو أمر معقول ، لكنّه لا يجدي الوضع لها في تحصّل المعاني الجمليّة وتألّف القضايا التركيبيّة ؛ فإنّ ألف مفهوم مستقل إذا اجتمعت والتفّت لم يحصل بها المعنى الجملي ما لم يكن بينها رابط حرفي يربطها ؛ وقد سمعت أنّ مثل لفظ «ابتدأت» و «انتهيت» أيضا تحتاج إلى الرابط ؛ فإذا فرض وضع الحروف أيضا بإزاء هذه المفاهيم الاسميّة كانت حالها حالها في الاحتياج إلى الروابط ، فكيف يكون هي الرابط؟!
فلا محيص في تحصّل المعاني الجمليّة ـ بعد ما سمعت أنّ المعاني الحرفيّة قاصرة عن قبول الوضع ، وأنّ المعاني الاسميّة لا يجدي وضعها في حصول الربط ـ إلّا من التزام وضع ألفاظ المتعلّقات بهيئاتها الخاصّة ـ الحاصلة لها من تخلّل الحروف أو النسب الحاصلة لها من تقديم وتأخير ـ بإزاء المعاني الجمليّة بعد وضع كلّ من موادّ الجمل بإزاء موادّ معانيها.
وهذا هو معنى الوضع للمركّبات ، فلولا الالتزام بالوضع للمركّبات بإزاء مفاهيم ذوات ربط ومعان في بطنها وكمونها الربط لم يجد وضع الأدوات في تحصّل الربط وتحصّل المعاني الجمليّة ؛ فإنّ الأدوات لأيّ معنى وضعت ـ ربطيّا كان على فرض معقوليّته ، أو غير ربطي ـ لا يجدي وضعها في تحصّل معاني الجمل. والمفاهيم غير المرتبطة في ذاتها لا ترتبط برابط خارجي ، وإنّما المرتبط مرتبط في بطن أمّه ومن أوّل يومه.
ولا تتوهّمن أنّ المعاني الجمليّة عبارة عن مفاهيم ثلاث : مفهوم الموضوع ، ومفهوم المحمول ، ومفهوم النسبة ، فاجتمعت فصار معنى الجملة ؛ فإنّك إن تنل السماء أيسر من أن تحصّل معنى جمليّا بذلك.
وإنّما المعنى الجملي مفهوم واحد بسيط ، وهو «زيد» على صفة القيام ، وثابت له القيام ، وهذا إذا انحلّ انحلّ إلى موضوع ومحمول ونسبة. والجملة التركيبيّة ـ بما هي تركيبيّة ـ موضوعة بإزاء هذا المعنى البسيط المنحلّ إلى معان متعدّدة ، وضع بإزاء كلّ منها جزء من أجزاء ألفاظ الجملة ولفظ من ألفاظ المجموع ، عدا الحروف فإنّها محصّلات للهيئة الكلاميّة