وأمّا الروابط ، فهي نسب قائمة بطرفيها ، فكلّ ذات وحركة ففي بطنها ومكمونها نسبة من النسب ، وهذه النسب سريعة التحوّل ، وهي دائما بين الحدوث والزوال. فأنت جالس في صحن دارك وبينك وبين كلّ ما في العالم نسبة ، فإذا تحوّلت من مكانك أو تحوّل شيء من ذرّات العالم من مكانها تحوّلت النسبة ، فقامت نسبة وجلست أخرى ؛ فكأنّ جميع ذرّات العالم مربوطة بعضها ببعض بحبل واصل بينها متحرّكة دائما في ربطها ، تعطي ربطا وتأخذ آخر.
هذا في الخارج ، وأمّا في لوح النفس ففي ابتداء ما ننظر إلى الخارج ونرى زيدا تاليا للقرآن ، وعمرا سائرا من البصرة إلى الكوفة ، وبكرا راقيا على السطح ، وخالدا جالسا في الدار ، وهكذا ؛ تحصل مطابق تلك النسب الخارجيّة في النفس ـ بما هي ـ نسب وروابط قائمة بالطرفين.
نعم ، هنا قائمة بين طرفين نفسيّين ، وهناك بين طرفين خارجيّين ، لكن في ربطيّتها لم تتغيّر ، يعني كما هي روابط في الخارج كذلك هي روابط في النفس.
ثمّ بعد هذه النظرة للنفس سلطان تصوّر هذه النسبة استقلالا مخرجة إيّاها عن مصداقيّة النسبة ، مدخلة لها في قطار المعاني المستقلّة بالمفهوميّة غير القائمة بالطرفين وهي في هذا الحال ليست بنسبة بالحمل الشائع ، وإن كانت نسبة بالحمل الذاتي فيتصوّر مفهوم الابتداء والانتهاء والاستعلاء والظرفيّة إلى غير ذلك من مفاهيم النسب والروابط ، وإن كانت هي بأنفسها خارجة عن النسب والروابط ، ومن أجله جاز أن يحكم عليها وبها ، واحتاجت إلى رابط يربطها ، فتقول : ابتدأت من أوّل القرآن ، وانتهيت إلى آخره. فللنسب في النفس طوران من التحصّل : طور على نحو ما لها من التحصّل التبعي الخارجي ، وأخر تحصّل استقلالي يجري عليها في طورها. هذا كلّ ما يجري على سائر المفاهيم المستقلّة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الروابط بما هي روابط لا تقع تحت اللحاظ والتوجّه ، ولا في حيّز الحكم ، ولا توصف بالكليّة والجزئيّة ، ولا تحت الوضع والاستعمال اللذين هما ضربان من الحكم ، وكلّ ما يكون لها ، يكون لها تبع ذوات الربط.
والوجه في ذلك واضح بعد التأمّل فيما قلناه سابقا ، وتميّز المعاني الربطيّة عن المعاني