والزعم المذكور فاسد.
الثاني : لو جاز الأمر بالضدّين على سبيل الترتّب استوجب العقاب على أمر غير مقدور ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.
بيانه : أنّه لو عصى المكلّف الأمر بالأهمّ والمهمّ جميعا بتركه لهما لزم على القول بالترتّب أن يستحقّ عقابين لطلبين إلزاميّين توجّها إليه ، مع أنّه غير قادر على الفعلين جميعا فكان عقابه عقابا على أمر غير مقدور ، والعقاب على أمر غير مقدور قبيح ، فكان القول بالترتّب باطلا.
ويمكن الجواب عنه بأنّ العقاب من تبعات ما فوّته المكلّف على نفسه بمعصيته. فإن كان الذي فوّته فضل الأهمّ على المهمّ ـ كما إذا ترك الأهمّ وأتى بالمهمّ ـ عوقب على تفويت هذا الفضل لا على ترك الأهمّ ؛ لإتيانه بالمقدار المشترك من المناط في ضمن المهمّ ، وإن كان الذي فوّته هو مقدار ما في الأهمّ من المناط ـ لأنّه ترك الأهمّ والمهمّ جميعا ـ عوقب على جميع ما في الأهمّ. هذا إذا كانت الأهميّة بقوّة المناط ، وأمّا إذا كانت بضيق وقت أحد الواجبين وسعة وقت الآخر ، كان العقاب عند تركهما ؛ إذ كان يمكنه الإتيان بهما جميعا ، هذا في الوقت المضيّق وذاك في الوقت الموسّع.
واعلم أنّه قد يتوهّم أنّ الحاجة إلى تصحيح الترتّب إنّما تكون في المضيّقين ، أمّا مع سعة وقت أحد الواجبين فيمكن الإتيان بالموسّع في وقت المضيّق بقصد امتثال الأمر بالطبيعة الصادقة عليه وإن لم يسعه الأمر لمكان الأمر بالمضيّق ومزاحمة هذا له ؛ فإنّ عدم شمول الأمر إن كان لقصور في اقتضائه بحيث لا يشمل هذا منع ذلك عن الإتيان بهذا بقصد امتثال الأمر ، وإن كان لمانع عقلي مع عموم الاقتضاء ـ كما في المقام ـ لم يمنع. فالأمر بطبيعة يدعو إلى كلّ ما هو من أفرادها ومندرج تحتها وإن لم يسعه الأمر لأجل مزاحم.
والسرّ أنّ دعوة الأمر إنّما هو بمناط أن المدعوّ إليه محصّل للغرض الداعي إلى الأمر ، وهذا معنى مشترك بين جميع أفراد الطبيعة المأمور بها ما كان منها تحت الأمر وما خرج عن الأمر لمزاحم عقلي ؛ فإنّ الكلّ يشترك في تحصيل غرض المولى من أمره. فالكلّ يمكن أن يؤتى به بداعي الأمر ما كان تحت الأمر وما خرج. بل لعلّ هذا الكلام يسري إلى الأجنبي الخارج عن طبيعة المأمور بها إذا شارك الطبيعة المأمور بها في تحصيل الغرض فيؤتى به