فمقدّمات متخالفة الاقتضاء لا يعقل صدورها من شخص واحد.
[الأمر] الرابع : كما أنّ الأمر مقدّمة يتوصّل به إلى تحقّق المطلوب كذلك مقدّمة يتوصّل به إلى ترك أضداد المطلوب. لا أقول : إنّ الأمر يقتضي النهي عن الضدّ أو هو عينه بل أقول : إنّ الأمر كما هو مقدّمة طلبيّة إلى حصول متعلّقة كذلك هو مقدّمة غير طلبيّة إلى ترك أضداد متعلّقة ؛ إذ كما هو إشغال بالمطلوب كذلك هو صرف عن أضداد المطلوب ، فهو بصرفه وجه المكلّف وقدرته إلى جانب فعل ، صارف وجهه وقدرته عن أضداد ذلك الفعل ، وهذا أجنبي عن اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ ، بل هو ثابت ـ قلنا بالاقتضاء ، أو لم نقل ـ إذ ليس هذا نهيا عن الضدّ بل طلب الفعل مقدّمة غير طلبيّة لترك أضداد ذلك الفعل. فبذلك أشبه النهي في جهة كونه مقدّمة لترك الضدّ ، لكن فارقه في أنّ هذا مقدّمة غير طلبيّة والنهي مقدّمة طلبيّة. بل لعلّ أرباب القول بالاقتضاء اشتبه عليهم الأمر من هذا المقام ، فحسبوا هذا نهيا ، لكنّ الذي يكذّبه أنّهم لم يقولوا بالاقتضاء بمعنى العينيّة ، مع أنّ الأمر هنا عين مقدّمة ترك الضدّ لا أنّه يقتضيه.
والحاصل : أنّ الطلب علاج عملي لصرف المكلّف عمّا وراء المطلوب وشاغل له بالمطلوب كسائر الأمور الملهية.
نعم ، قد يكون هذا الصرف ملتفتا إليه وقد لا يكون ، وعند الالتفات قد يكون مقصودا بالأصالة وكان الأمر بالفعل تبعا ، وقد يكون بالعكس ، أو كلا المقصدين في عرض واحد.
إذا تمّت لك هذه المقدّمات ظهر لك صدق ما قلنا من استحالة اجتماع طلب الضدّين استحالة ذاتيّة ؛ لأنّه من اجتماع النقيضين ، وأنّه عبارة عن رجحان كلّ من الفعل والترك على صاحبه وعدم رجحانه بل مرجوحيّته ، وأنّ ارادة الضدّين إرادة لفعل كلّ وتركه ـ إحداهما المتعلّقة بالفعل طلبيّة والاخرى المتعلّقة بالترك غير طلبيّة ـ وقد عرفت عدم الفرق في استحالة الاجتماع بين أنواع الإرادات.
فالقول بمعقوليّة الاجتماع على وجه الترتّب ـ بزعم اختصاص جهة اللامعقوليّة بالأمر بهما لا على وجه الترتّب ، وهو رجوع الأمر بهما إلى طلب الجمع بين الضدّين ـ باطل (١)
__________________
(١) راجع كشف الغطاء : ٢٧ ، البحث الثامن عشر.