وهذا المعنى لا يختصّ به عزوجل ، بل يجري في إرادة الإنسان أيضا ، وممّا يؤكّد ذلك أنّ الأئمة عليهمالسلام جعلوا الإرادة من صفات الفعل.
ومن ذلك يظهر أنّ جعل الإرادة العلم بالنظام الأحسن ليس المراد به أنّ العلم بنفسه هو المؤثّر التامّ لصدور الأشياء ووجودها ، حتّى يلزم المحاذير التي ذكروها في الكتب الفلسفيّة والكلاميّة ، وإن كان القول بذلك صحيحا في الجملة ، بمعنى المنشئيّة والمصدريّة ، كما ذكرنا.
وقد ظهر ممّا تقدّم بطلان ما قيل : من أنّ الإرادة لا ترجع إلى العلم ؛ لأنّه يستلزم إمّا إلى إرادة الشرّ والظلم والكفر والقبائح ؛ لأنّه تعالى يعلمها ، أو يلزم أن يكون منشأ التأثير في الممكن الأصلح اعتباريّا محضا ، ولا يرجع إلى نفس العلم لتعلّقه بالمعلومات على حدّ سواء ، أو يرجع إلى نفس الأصلح ، وهو يرجع إلى كون شيء واحد مؤثّرا ومتأثّرا.
والكلّ باطل ؛ لأنّ علمه تعالى إن كان علّة تامّة لحصول المعلوم مطلقا يلزم ما ذكر ، ولكنّه ليس كذلك ، بل علمه الأزلي بالأشياء من مجرّد المقتضي ، فالعليّة التامّة تتوقّف على امور كثيرة اخرى ، فمن يقول إن الإرادة هي العلم بالممكن الأصلح ، لا يريد أنّ العلم لوحده هو السبب لوجوده ، بل العلم مع اختياره عزوجل ، ويدلّ على ذلك ما رواه الكليني عن أبي عبد الله عليهالسلام : «علم الله سابق للمشيئة» ، حيث يستفاد أنّ العلم بوحده لم يكن المؤثّر من دون المشيئة والإرادة.
والحاصل : أنّ الإرادة هي الإيجاد عن علم وحكمة ، وهي فعله ، فتكون من صفات الأفعال ، ولا بد من انبعاث صفات الأفعال عن العلم والحكمة.
ويمكن رفع الاختلاف من أصله لما تسالموا عليه من أنّ العلل التوليديّة يصحّ انتساب الأثر فيها إلى نفس المعلول وإلى العلّة ، كما في قولك : أحرقته النّار فمات ، أو مات بالنّار ، كما لا فرق بين قولهم عليهمالسلام : «الطهور نور» ، أو : «الوضوء