لا غير ذلك ، يقول له : كن فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ، ولا تفكّر ، ولا كيف لذلك ، كما أنّه لا كيف له».
أقول : ليس عليهالسلام في مقام بيان حقيقة الإرادة من حيث هي على نحو الحدّ المنطقي حتّى تكون إرادة الخالق مباينة مع إرادة الخلق من كلّ جهة ، وإنّما هو عليهالسلام في مقام التمييز بينهما في الجملة ؛ لأنّ الإرادة من الخلق كما نراها متقوّمة بالتفكّر والروية في المبدأ وفي الغاية. فالضمير في الخلق عبارة عن مقدّمات الإرادة التي تحصل في القلب ، وقوله عليهالسلام : «وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل» ، يمكن أن يستظهر منه أن الإرادة في الخلق هي فعلهم أيضا ، فالفرق بين الإرادتين إنّما هو في المقدّمات لا في نفس الإرادة من حيث هي ، وقوله عليهالسلام : «فإرادته إحداثه» ، أي : أنّ إرادته تعالى إنّما هي نفس الفعل ، وهي ما قلناه في إرادة المخلوق ، ولكن التفرقة في المقدّمات. ويظهر ذلك بوضوح من نفي هذه المقدّمات عنه عزوجل ، ولكن ذلك لا يستلزم نفي الحكمة والعلم بالنسبة إلى المراد.
ومنها : صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : «قال الرضا عليهالسلام : المشيئة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ الله لم يزل مريدا شائيا ، فليس بموحّد».
أقول : هذا الحديث يدلّ على أنّ الإرادة والمشيئة هي الفعل ، وإنّما يفرّق بينهما بالجزئيّة والكلّيّة ، فالإرادة تتعلّق بالجزئيات والمشيئة تتعلّق بالكلّيات.
وأمّا قوله عليهالسلام : «فمن زعم أنّ الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحّد» ، فلأنّه لو كانت المشيئة والإرادة في مرتبة الذات وهما يقتضيان المراد ـ لاستحالة تخلّف الإرادة عن المراد ـ فحينئذ لا بد من القول بالقدم الذاتي للأشياء فينتفي التوحيد مع أنّهما متجدّدان بالنسبة إلى الخلق في كلّ عصر وزمان ، فيلزم التجدّد في الذات والتغيّر والحدوث فيها ، وكلّها باطل بالضرورة.
ومنها : صحيحة ابن أذينة عن الصادق عليهالسلام قال : «خلق الله المشيئة بنفسها ، ثم خلق الأشياء بالمشيئة».