عن ابن عباس ، ويدل عليه قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : الدعاء هو العبادة ؛ ولمّا عبّر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة ليتجانس اللفظ (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) ودعائي (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) أي صاغرين ذليلين. وفي الآية دلالة على عظم قدر الدعاء عند الله تعالى ، وعلى فضل الانقطاع إليه. وروى زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في هذه الآية قال : هو الدعاء ، وأفضل العبادة الدعاء ، وروى حنان بن سدير عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر : أيّ العبادة أفضل؟ قال : ما من شيء أحبّ إلى الله من أن يسأل ويطلب ما عنده ، وما أحد أبغض إلى الله عزوجل ممن يستكبر عن عبادته ، ولا يسأل ما عنده.
٦١ ـ ٦٥ ـ ثم ذكر سبحانه ما يدل على توحده فقال (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) معاشر الخلق (اللَّيْلَ) وهو ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي وغرضه في خلق الليل سكونكم واستراحتكم فيه من كدّ النهار وتعبه (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي وجعل لكم النهار وهو ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس مضيئا تبصرون فيه مواضع حاجاتكم (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بهذه النعم من غير استحقاق منهم لذلك (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي ومع هذا فإن أكثر الناس لا يعترفون بهذه النعم بل يجحدونها ويكفرون بها. ثم قال سبحانه مخاطبا لخلقه (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي الذي أظهر هذه الدلالات ، وأنعم بهذه النعم. هو الله خالقكم ومالككم (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) من السموات والأرض وما بينهما (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا يستحق العبادة سواه (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره مع وضوح الدلالة على توحيده : ثم قال سبحانه (كَذلِكَ) أي مثل ما صرف وافك هؤلاء (يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) وهم من تقدّمهم من الكفار صرفهم أكابرهم ورؤساؤهم. ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأدلة على توحيده فقال (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) أي مستقرا تستقرون عليه (وَالسَّماءَ بِناءً) أي وجعل السماء بناءا مرتفعا فوقها ولو جعلها رتقا لما امكن الخلق الانتفاع بما بينهما ثم قال (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لأن صورة ابن آدم احسن صور الحيوان ، وقال ابن عباس : خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل بيده ، ويتناول بيده ، وكلّ من خلقه الله يتناول بفيه (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) لأنه ليس شيء من الحيوان له طيبات المأكل والمشارب مثل ما خلق الله سبحانه لابن آدم ، فإن أنواع الطيبات واللذات التي خلقها الله تعالى لهم من الثمار وفنون النبات واللحوم وغير ذلك مما لا يحصى كثرة. ثم قال (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي فاعل هذه الأشياء خالقكم (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي جلّ الله بأنه الدائم الثابت الذي لم يزل ولا يزال (هُوَ الْحَيُ) معناه : إن الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو الحيّ على الإطلاق (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي مخلصين في دعائه وعبادته (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال الفراء : وهو خبر وفيه إضمار كأنه قال : ادعوه واحمدوه على هذه النعم وقولوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
٦٦ ـ ٧٠ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (قُلْ) يا محمد لكفار قومك (إِنِّي نُهِيتُ) أي نهاني الله (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أوجّه العبادة إلى من تدّعونه من دون الله من الأصنام التي تجعلونها آلهة (لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) أي حين أتاني الحجج والبراهين من جهة الله تعالى دلّتني على ذلك (وَأُمِرْتُ) مع ذلك (أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي أستسلم لأمر ربّ العالمين الذي يملك تدبير الخلائق أجمعين. ثم عاد إلى ذكر الأدلة فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) معاشر البشر (مِنْ تُرابٍ) أي