(وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) البنين فلا يولد له أنثى (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) معناه : أو يجمع لهم بين البنين والبنات ، تقول العرب : زوجت ابلي ، أي جمعت بين صغارها وكبارها ، قال مجاهد : هو أن تلد المرأة غلاما ثم جارية ، ثمّ غلاما ، ثم جارية ، (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ) من الرجال والنساء (عَقِيماً) لا يلد ولا يولد له (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بما خلق (قَدِيرٌ) على خلق من يشاء.
٥١ ـ ٥٣ ـ ثم ذكر سبحانه أجلّ النعم وهي النبوّة فقال : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) أي ليس لأحد من البشر أن يكلّمه الله (إِلَّا) أن يوحي إليه (وَحْياً) وهو داود ، أوحى في صدره فزبر الزبور (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي ويكلّمه من وراء حجاب وهو موسى (ع) (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) وهو جبرائيل ، أرسل إلى محمد (ص) عن مجاهد.
وقيل معناه : ما كان لبشر أن يكلّمه إلا بمثل ما يكلم به عباده من الأمر بطاعته والنهي عن معاصيه وتنبيهه إيّاهم على ذلك من جهة الخاطر أو المنام وما أشبه ذلك على سبيل الوحي وسمّاه وحيا لأن الوحي في اللغة ما جرى مجرى الإيماء والتنبيه على الشيء من غير أن يفصح به أو من وراء حجاب وهو أن يحجب ذلك الكلام عن جميع خلقه إلا من يريد أن يكلّمه به نحو كلامه لموسى (ع) لأنه حجب ذلك عن جميع الخلق إلا عن موسى عليهالسلام وحده (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) ارساله ملائكته بكتبه وكلامه إلى أنبيائه ليبلغوا ذلك عنه عباده ، على سبيل ما كلّم به موسى ، وهو خلاف الوحي الذي ذكر في أول الآية لأنه تنبيه خاطر وليس فيه إفصاح.
وقال الزجاج معناه : انّ كلام الله للبشر إما أن يكون بإلهام يلهمهم ، أو بكلام من وراء حجاب كما كلم موسى ، أو برسالة ملك إليهم فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء الله (إِنَّهُ عَلِيٌ) عن الإدراك بالأبصار (حَكِيمٌ) في جميع أفعاله (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي مثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) يعني الوحي بأمرنا ومعناه : القرآن لأنّه يهتدى به ، ففيه حياة من موت الكفر عن قتادة والجبائي وغيرهما.
وقيل : هو روح القدس عن السدّي. وقيل : هو ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله (ص) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قالا : ولم يصعد إلى السماء (ما كُنْتَ تَدْرِي) يا محمد قبل الوحي (مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) أي ما القرآن ، ولا الشرائع ومعالم الإيمان. وقيل : معناه ولا أهل الإيمان أي من الذي يؤمن ، ومن الذي لا يؤمن ، وهذا من باب حذف المضاف (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) أي جعلنا الروح الذي هو القرآن نورا لأنّ فيه معالم الدين عن السدي. وقيل : جعلنا الإيمان نورا لأنه طريق النجاة عن ابن عباس (نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) أي نرشده إلى الجنة (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي ترشد وتدعو إلى طريق مفض إلى الحق وهو الإيمان. ثم فسّر ذلك الصراط بقوله : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) أي إليه ترجع الأمور والتدبير يوم القيامة ، فلا يملك ذلك غيره.
سورة الزخرف مكية
عدد آياتها تسع وثمانون
١ ـ ٥ ـ (حم) مر معناه (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) أقسم بالقرآن