قصص يوسف وإخوته (عِبْرَةٌ) أي فكرة وبصيرة من الجهل وموعظة ، وهو ما أصابه (ع) من ملك مصر ، والجمع بينه وبين أبويه وإخوته بعد إلقائه في الجب ، وبيعه وحبسه وقيل : في قصصهم عبرة لأن نبينا (ص) لم يقرأ كتابا ، ولا سمع حديثا ، ولا خالط أهله ، ثم حدثهم به في حسن معانيه ، وبراعة ألفاظه ومبانيه بحيث لم يرد عليه أحد من ذلك شيئا ، فهذا من أدل الدلائل على صدقه وصحة نبوته (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي لذوي العقول (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) أي ما كان ما أدّاه محمد أو أنزل عليه حديثا يختلق كذبا (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي ولكن كان تصديق الكتب الذي بين يديه لأنه جاء كما بشّر به في الكتب (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) أي وبيان كل شيء يحتاج إليه من الحلال والحرام وشرائع الإسلام (وَهُدىً) أي ودلالة (وَرَحْمَةً) أي ونعمة ينتفع بها المؤمنون علما وعملا (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) إنما خصّهم بذلك لأنهم المنتفعون به دون غيرهم.
سورة الرعد مدنية
عدد آياتها ثلاث وأربعون آية
١ ـ ٢ ـ (المر) قد فسرناه في أول البقرة وبيّنا ما قيل فيه ، وروي أن معناه : انا الله أعلم وأرى (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) أي هذه السورة هي آيات الكتاب التي تقدّم الوعد بها ليست بمفتريات ، ولا بسحر والكتاب : القرآن ، عن ابن عباس والحسن ، وقيل : ان الكتاب عبارة عن التوراة والإنجيل ، عن مجاهد وقتادة ، ويكون تقديره : تلك الأخبار التي قصصتها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة ، والآيات : الدلالات العجيبة المؤدية إلى المعرفة بالله سبحانه وأنه لا يشبه الأشياء ولا تشبهه (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) يعني وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق فاعتصم بالله ، وأعمل بما فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدقون بأنه منزل ، وأنه حق مع وضوحه (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) لما ذكر الله سبحانه أنهم لا يؤمنون ، عرّف الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق ، ويريد بالعمد السواري والدعائم وقيل فيه قولان (أحدهما) أن المراد رفع السماوات بغير عمد وأنتم ترونها كذلك ، عن ابن عباس والجبائي وأبي مسلم ، وهو الأصح ، قال ابن عباس : يعني ليس من دونها دعامة يدعمها ، ولا فوقها علاقة تمسكها. قال الزجاج : وفي ذلك من القدرة والدلالة ما لا شيء أوضح منه ، لأن السماء محيطة بالأرض ، متبرية منها بغير عمد (والآخر) أن يكون ترونها من نعت العمد ، فيكون المعنى : بغير عمد مرئية ، فعلى هذا تعمدها قدرة الله عزوجل ، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) قد مضى تفسيره ، وإذا حملنا الإستواء على الملك والإقتدار المراد : اقتداره على تصريفه وتقليبه (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي ذللهما لمنافع خلقه ، ومصالح عباده (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي كل واحد منهما يجري إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا ، وقيام الساعة التي تكور عندها الشمس ، ويخسف القمر ، وتنكدر النجوم عن الحسن وقال ابن عباس : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهيان إليها ولا يجاوزانها وللشمس مائة وثمانون منزلا تنزل كل يوم منزلا حتى تنتهي إلى آخر المنازل فلا تجاوزه وترجع إلى أول المنازل وينزل القمر كل ليلة منزلا حتى ينتهي إلى آخر منازله (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي يدبر الله كل أمر من أمور السماوات والأرض ، وأمور الخلق على وجه توجبه الحكمة ، وتقتضيه المصلحة (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي يأتي بآية في أثر آية فصلا فصلا مميزا بعضها عن بعض ليكون أمكن للإعتبار والتفكر (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) أي لكي توقنوا بالبعث والنشور ، وتعلموا أن القادر على هذه الأشياء قادر على البعث بعد الموت. وفي هذا دلالة على وجوب النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى ، وعلى بطلان التقليد ، ولولا ذلك لم يكن لتفصيل الآيات معنى.