أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) هذا جواب القسم ، يعني انا نقدر على أن نهلكهم ونأتي بدلهم بقوم آخرين خيرا منهم (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) هذا عطف على جواب القسم ، أي وان هؤلاء الكفار لا يفوتون بأن يتقدّموا على وجه يمنع من لحاق العذاب بهم فإنهم لم يكونوا سابقين ، ولا العقاب مسبوقا منهم والتقدير : وما نحن بمسبوقين يفوت عقابنا إياهم فإنهم لو سبقوا عقابنا لسبقونا وقيل معناه : وما نحن بمغلوبين عن أبي مسلم (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) فإن وبال ذلك عائد عليهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) يعني يوم القيامة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) أي القبور (سِراعاً) مسرعين لشدة السوق (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) أي كأنهم يسعون ويسرعون إلى علم نصب لهم ، عن الجبائي وأبي مسلم وقيل : كأنهم إلى أوثانهم يسعون للتقرب إليها ، عن ابن عباس وقتادة (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أي ذليلة خاضعة لا يستطيعون النظر من هول ذلك اليوم (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي تغشاهم مذلة (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي) وصفه اليوم الذي (كانُوا يُوعَدُونَ) به دار التكليف فلا يصدقون به ، ويجحدونه قد شاهدوه في تلك الحال.
سورة نوح
مكية وآياتها ثمان وعشرون آية
لما ختم سبحانه تلك السورة بوعيد أهل التكذيب ، افتتح هذه السورة بذكر قصة نوح وقومه ، وما نالهم بالتكذيب ، تسلية للنّبيّ صلىاللهعليهوآله فقال :
١ ـ ١٤ ـ أخبر سبحانه عن نفسه فقال (إِنَّا أَرْسَلْنا) أي بعثنا (نُوحاً) رسولا (إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) معناه : أرسلنا لينذرهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة. ثم حكى أن نوحا امتثل ما أمر الله سبحانه به بأن قال (قالَ يا قَوْمِ) أضافهم إلى نفسه فكأنه قال : أنتم عشيرتي يسوؤني ما يسوؤكم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي مخوّف مبين وجوه الأدلة في الوعيد ، وبيان الدين والتوحيد (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) أي اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتّقوا معاصيه (وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به لأن طاعتي مقرونة بطاعة الله ، وطاعة الله واجبة عليكم لمكان نعمه السابقة التي لا توازيها نعمة منعم (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي فإنكم إن فعلتم ذلك يغفر لكم ذنوبكم وقيل : إن من هاهنا للتبعيض والمعنى يغفر لكم ذنوبكم السالفة ، وهي بعض الذنوب التي تضاف إليكم ، ولما كانت ذنوبهم التي يستأنفونها لا يجوز الوعد بغفرانها على الإطلاق لما يكون في ذلك من الإغراء بالقبيح قيّد سبحانه هذا التقييد (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وفي هذا دلالة على ثبوت أجلين ، كأنه شرط في الوعد بالأجل المسمى عبادة الله والتقوى ، فلما لم يقع ذلك منهم اقتطعوا بعذاب الاستيصال قبل الأجل الأقصى بالأجل الأدنى. ثم قال (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) يعني الأقصى (إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صحة ذلك وتؤمنون به (قالَ) نوح (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) إلى عبادتك وخلع الأنداد من دونك ، وإلى الإقرار بنبوّتي (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) أي لم يزدادوا بدعائي إياهم إلّا فرارا من قبوله ونفارا منه وإدبارا عنه (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إلى إخلاص عبادتك (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) سيئاتهم (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) لئلا يسمعوا كلامي ودعائي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) أي غطّوا بها وجوههم لئلا يروني (وَأَصَرُّوا) أي داموا على كفرهم (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) أي تكبّروا وانفوا عن قبول الحق ، والإصرار : الإقامة على الأمر بالعزيمة عليه ، فلما كانوا عازمين على الكفر كانوا مصرّين ،