سورة الشورى
عدد آياتها ثلاث وخمسون آية
١ ـ ٥ ـ (حم) قد مضى تفسيره (عسق) إنما فضلت هذه السورة من بين سائر الحواميم بعسق لأن جميعها استفتح بذكر الكتاب على التصريح به إلا هذه فذكر عسق ليكون دلالة على الكتاب دلالة التضمين ، وإن لم يدل عليه دلالة التصريح وهو معنى قول قتادة فإنه قال : هو اسم من أسماء القرآن ، وقيل : لأن هذه السورة انفردت بأنّ معانيها أوحيت إلى سائر الأنبياء ، فلذلك خصّت بهذه التسمية.
وقال عطا : هي حروف مقطعة من حوادث آتية ، فالحاء من حرب ، والميم من تحويل ملك ، والعين من عدوّ مقهور ، والسين من الاستئصال بسنين كسني يوسف ، والقاف من قدرة الله في ملوك الأرض وسائر الأقوال في ذلك مذكورة في أوّل البقرة (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) أي كالوحي الذي تقدّم يوحي إليك أخبار الغيب وما يكون قبل أن يكون ، وإلى الذين من قبلك من الأنبياء.
عن عطا عن ابن عباس قال : وما من نبيّ أنزل الله عليه الكتاب ، إلا أنزل عليه معاني هذه السورة بلغاتهم ، وقيل معناه : كهذا الوحي الذي يأتي في هذه السورة يوحي إليك ، لأنّ ما لم يكن حاضرا تراه صلح فيه هذا لقرب وقته ، وذلك لبعده في نفسه ، ومعنى التشبيه في كذلك أنّ بعضه كبعض في أنّه حكمة وصواب بما تضمنه من الحجج والمواعظ والفوائد (اللهُ) الذي تحقّ له العبادة (الْعَزِيزُ) القادر الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) المحكم لأفعاله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُ) المستعلي على كلّ قادر (الْعَظِيمُ) شأنه (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) أي تكاد كلّ واحدة من السماوات تنشقّ من فوق التي تليها من قول المشركين اتخذ الله ولدا استعظاما لذلك عن ابن عباس والحسن.
وقيل معناه : تكاد السموات يتشقّقن فرقا من عظمة الله وجلاله من فوقهن وتقديره : ممّن فوقهن ، أي من عظمة من فوقهنّ ، عن الضحاك وقتادة والزجاج.
وقيل : (مِنْ فَوْقِهِنَ) أي من فوق الأرضين ، وهذا على طريق التمثيل ، والمعنى : لو كانت السماوات تنفطر لشيء لانفطرت لهذا (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي ينزّهونه عمّا لا يجوز عليه في صفاته ، ويعظّمونه عمّا لا يليق به في ذاته وأفعاله (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) من المؤمنين (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) والمعنى ظاهر.
٦ ـ ١٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن امهاله الكفار بعد تقديم الإنذار فقال (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي آلهة عبدوها من دون الله ، يعني كفّار مكة (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) أي حافظ عليهم أعمالهم ، لا يعزب شيء منها عنه ليجازيهم على ذلك كله (وَما أَنْتَ) يا محمد (عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي وما أنت بمسلّط عليهم لتدخلهم في الإيمان قهرا وقيل معناه : إنّك لم توكّل بحفظ أعمالهم ، وإنما بعثت نذيرا لهم ، داعيا إلى الله مبيّنا سبيل الرشد ، أي فلا يضيقنّ صدرك بتكذيبهم إياك ، وفيه تسلية للنبي (ص) (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي ومثل ما أوحينا إلى من تقدّمك من الأنبياء بالكتب التي أنزلناها عليهم بلغة قومهم أوحينا إليك قرآنا بلغة العرب ليفقهوا ما فيه (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي لتنذر أهل أمّ القرى وهي مكة ومن حولها من سائر الناس ، وقرى الأرض كلّها (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) أي وتنذرهم يوم الجمع وهو يوم القيامة ، يجمع الله فيه الأوّلين والآخرين ، وأهل السماوات والأرضين (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك في كونه ؛ ثم قسّم سبحانه أهل يوم