هذا دلالة على وجوب معاداة أهل الباطل. وفي هذه الآية وما بعدها وإن كان الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فالمراد غيره ، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول : القرآن كله إياك أعني واسمعي يا جارة (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي ولا يمنعك هؤلاء الكفار عن اتباع آيات الله التي هي القرآن والدين بعد إذ نزلت إليك تعظيما لذكرك ، وتفخيما لشأنك (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي إلى طاعة ربك الذي خلقك وأنعم عليك ، وإلى توحيده (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي لا تمل إليهم ، ولا ترض بطريقتهم ، ولا توال أحدا منهم (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي لا تعبد معه غيره ، ولا تستدع حوائجك من جهة ما سواه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود إلّا هو وحده لا شريك له (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي كل شيء فان بائد إلّا ذاته وفي هذا دلالة على أن الأجسام تفنى ثم تعاد (لَهُ الْحُكْمُ) أي له القضاء النافذ في خلقه (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي تردون في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
سورة العنكبوت
مكية وعدد آياتها تسع وستون آية
النزول
قيل : نزلت الآية في عمّار بن ياسر كان يعذّب في الله ، عن ابن جريج. وقيل : نزلت في أناس مسلمين كانوا بمكة فكتب اليهم من كان بالمدينة انه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام حتى تهاجروا ، فخرجوا الى المدينة فاتبعهم المشركون فآذوهم ، فمنهم من قتل ومنهم من نجا.
١ ـ ٥ ـ (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي أظنّ الناس أن يقنع منهم بأن يقولوا إنا مؤمنون فقط ويقتصر منهم على هذا القدر ولا يمتحنون بما تبيّن به حقيقة إيمانهم؟ هذا لا يكون ، وهذا استفهام إنكار وتوبيخ وقيل : ان معنى يفتنون : يبتلون في أنفسهم وأموالهم عن مجاهد ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليهالسلام ويكون المعنى : ولا يشدّد عليهم التكليف والتعبد ولا يؤمرون ولا ينهون وقيل معناه : ولا يصابون بشدائد الدنيا ومصائبها ، أي أنها لا تندفع بقولهم : آمنا وقال الحسن : معناه : أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا لا إله إلا الله ولا يختبروا أصدقوا أم كذبوا ، يعني أن مجرد الإقرار لا يكفي ، والأولى حمله على الجميع إذ لا تنافي فإن المؤمن يكلف بعد الإيمان بالشرائع ، ويمتحن في النفس والمال ، ويمنى بالشدائد والهموم والمكاره فينبغي أن يوطن نفسه على هذه الفتنة ليكون الأمر أيسر عليه إذا نزل به ثم أقسم سبحانه فقال : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي ولقد ابتلينا الذين من قبل أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من سالف الأمم بالفرائض التي افترضناها عليهم ، أو بالشدائد والمصائب على حسب اختلافهم ، وذكر ذلك تسلية للمؤمنين. قال ابن عباس : منهم إبراهيم خليل الرحمن وقوم كانوا معه ومن بعده نشروا بالمناشير على دين الله فلم يرجعوا عنه وقال غيره يعني بني إسرائيل ابتلوا بفرعون يسومهم سوء العذاب (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) في إيمانهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) فيه وإنما قال فليعلمن مع أن الله سبحانه كان عالما فيما لم يزل بأن المعلوم سيحدث ، لأنه لا يصح وصفه سبحانه فيما لم يزل بأنه عالم بأنه حادث وإنما يعلمه حادثا إذا حدث وقيل معناه : فليميزن الله الذين صدقوا من الذين كذبوا بالجزاء والمكافأة ، وعبّر عن الجزاء والتمييز بالعلم ، لأن كل ذلك إنما يحصل بالعلم فأقام السبب مقام المسبب ، ومثله في إقامة السبب مقام المسبب قوله تعالى : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) ، فهذا سبب قضاء الحاجة ، فكنّى بذكره عنها ، ومعنى صدقوا : أي ثبتوا على الشدائد ، وكذبوا : أي لم يثبتوا ومنه قول زهير «إذا