منازلهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي في إهلاكنا لهم دلالات واضحات على الحق (أَفَلا يَسْمَعُونَ) أي أفلا يسمع هؤلاء الكفار ما يوعظون به من المواعظ. ثم نبّههم سبحانه على وجه آخر فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي أو لم يعلموا (أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ) بالأنهار والعيون (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) أي اليابسة التي لا نبات فيها ، وقيل : نسوق الماء بالسيول اليها لأنها مواضع عالية ، وهي قرى بين الشام واليمن (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ) أي من ذلك الزرع (أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ) والمعنى : ان هذه الأرض تنبت ما يأكله الناس والأنعام (أَفَلا يُبْصِرُونَ) نعم الله تعالى عليهم (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قال الفراء : المراد به فتح مكة (قُلْ) يا محمد (يَوْمَ الْفَتْحِ) يوم (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) بيّن سبحانه أن يوم الفتح يكون يوم القيامة وذلك اليوم لا ينفع الكافرين إيمانهم (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يؤخّر عنهم العذاب (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يا محمد فإنه لا ينجع فيهم الدعاء والوعظ (وَانْتَظِرْ) موعدي لك بالنصر على أعدائك (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) معناه : انهم سيأتيهم ما وعد الله فيهم فكأنّهم ينتظرونه.
سورة الأحزاب
مدنية وعدد آياتها ثلاث وسبعون آية
النزول
نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور السلمي ، قدموا المدينة ونزلوا على عبد الله بن أبي بعد غزوة أحد بأمان من رسول الله صلىاللهعليهوآله ليكلّموه ، فقاموا وقام معهم عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، فدخلوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا محمد ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات ، وقل : إن لها شفاعة لمن عبد ها ، وندعك وربك ، فشقّ ذلك على النبي صلىاللهعليهوآله ، وأمر فأخرجوا من المدينة ، ونزلت الآية : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكة : أبا سفيان ، وأبا الأعور ، وعكرمة ، والمنافقين : ابن أبي ، وابن سعد ، وطعمة.
وقوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ، نزلت في أبي معمر جميل بن معمر بن حبيب الفهري ، وكان لبيبا حافظا لما يسمع ، وكان يقول : إن في جوفي لقلبين ، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فكانت قريش تسميه ذا القلبين ، فلما كان يوم بدر وانهزم المشركون وفيهم أبو معمر ، وتلقاه أبو سفيان بن حرب وهو آخذ بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله ، فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال : انهزموا ، قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر : ما شعرت إلّا انهما في رجلي ، فعرفوا يومئذ أنه لو لم يكن له إلّا قلب واحد لما نسي نعله في يده. أمره سبحانه في مختتم تلك السورة بالإنتظار ، ثم أمره هنا أن يكون في انتظاره متقيا ، ونهاه عن طاعة الكفار.
١ ـ ٥ ـ خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) أي اثبت على تقوى الله ودم عليه وقيل معناه : اتق الله في اجابة المشركين إلى ما التمسوه وقيل : ان بعض المسلمين همّوا بقتل أولئك الذين قدموا المدينة بأمان فقال اتّق الله في نقض العهد (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) مرّ بيانه وقيل : انه عام وهو الوجه والكافر : هو الذي يظهر الكفر ويبطنه ، والمنافق : هو الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بما يكون قبل كونه (حَكِيماً) فيما يخلقه. ولما نهاه عن متابعة الكفار وأهل النفاق أمره باتباع أوامره ونواهيه على الإطلاق فقال : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) من القرآن والشرائع فبلّغه واعمل به