يعبدونها ثم عبدتها العرب فيما بعد وقد اتخذت قضاعة ودّا ، وأخذ بطنان من طي يغوث وأما يعوق فكان لكهلان ، وأما نسر فكان لخثعم ، وأما سواع فكان لحمير (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) أي ضلّ بعبادتها وبسببها كثير من الناس ، نظيره : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) ، وقيل معناه : وقد أضلّ كبراؤهم كثيرا من الناس ، عن مقاتل وأبي مسلم ، وعلى هذا فإن الضمير فى أضلّوا يعود إلى أكابر قوم نوح (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) أي هلاكا كما في قوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) وقيل : إلّا فتنة بالمال والولد ، وقيل : إلّا ذهابا عن الجنة والثواب. قال البلخي : لا تزدهم إلّا منعا من الطاعات عقوبة لهم على كفرهم ، فإنهم إذا ضلّوا استحقوا منع الألطاف التي تفعل بالمؤمنين فيطيعون عندها ويمتثلون ، ولا يجوز أن يفعل بهم الضلال عن الحق والإيمان لأن ذلك لا يجوز في صفة الحكيم ، تعالى الله عن ذلك (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) أي من خطيئاتهم ، والتقدير : من أجل ما ارتكبوه من الخطايا والكبائر (أُغْرِقُوا) على وجه العقوبة (فَأُدْخِلُوا ناراً) بعد ذلك ليعاقبوا فيها (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) أي لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله ، وقال الضحاك أغرقوا فادخلوا نارا في الدنيا في حالة واحدة ، كانوا يغرقون من جانب ويحترقون في النار من جانب (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) أي نازل دار ، يعني لا تدع منهم أحدا إلّا أهلكته (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) أي ان تتركهم ولم تهلكهم يضلّوا عبادك عن الدين بالإغواء والدعاء إلى خلافه (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) وإلّا فلم يعلم نوح الغيب وإنما قال ذلك بعد أن أعلمه الله إياه والمعنى : ولا يلدوا إلا من يكون عند بلوغه كافرا ، لأنه لا يذمّ على الكفر من لم يقع منه فعل الكفر ، وقال مقاتل والربيع وعطاء : إنّما قال ذلك نوح عليهالسلام لأن الله تعالى أخرج من أصلابهم كل من يكون مؤمنا ، وأعقم أرحام نسائهم ، وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة ، وأخبر الله تعالى نوحا بأنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمنا فحينئذ دعا عليهم فأجاب الله دعاءه فأهلكهم كلّهم ولم يكن فيهم صبيّ وقت العذاب ؛ ثم دعا لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات فقال (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) واسم أبيه لمك بن متوشلخ ، واسم أمه سمحاء بنت أنوش وكانا مؤمنين (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) أي دخل داري (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) عامة وقيل من أمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكلبي (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) أي هلاكا ودمارا. قال أهل التحقيق : دعا نوح عليهالسلام دعوتين : دعوة على الكافرين فأهلك من كان منهم على وجه الأرض ، ونرجو أن يستجيب أيضا دعوته للمؤمنين فيغفر لهم.
سورة الجن
مكية وآياتها ثمان وعشرون آية
١ ـ ١٠ ـ أمر سبحانه نبيّه محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يخبر قومه بما لم يكن لهم به علم فقال (قُلْ) يا محمد (أُوحِيَ إِلَيَ) إنما ذكره على لفظ ما لم يسم فاعله تفخيما وتعظيما ، والله سبحانه أوحى إليه ، وأنزل الملك عليه (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) أي استمع القرآن طائفة من الجن ، وهم جيل رقاق الأجسام خفيفة على صورة مخصوصة ، بخلاف صورة الإنسان والملائكة ، فإن الملك مخلوق من النور ، والإنس من الطين ، والجن من النار (فَقالُوا) أي قالت الجن بعضها لبعض (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) والعجب ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه ، وخروجه عن العادة في مثله ؛ فلما كان القرآن قد خرج بتأليفه المخصوص عن العادة في الكلام ، وخفي سببه عن الأنام كان عجبا لا محالة ، وأيضا فإنه مباين لكلام الخلق في المعنى والفصاحة والنظام ، لا يقدر