حقا لا خلف له (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه (الْحَكِيمُ) في جميع أفعاله وأحكامه ، لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة. ثم أخبر سبحانه عن أفعاله الدالة على توحيده فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ) أي أنشأها واخترعها (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) إذ لو كان لها عمد لرأيتموها ، لأنها لو كانت تكون أجساما عظاما حتى يصح منها أن تقلّ السماوات ، ولو كانت كذلك لاحتاجت إلى عمد آخر فكان يتسلسل فإذا لا عمد لها ، وقيل : إن المراد بغير عمد مرثية ، والمعنى : أنّ لها عمدا فلا ترونها ، عن مجاهد ، والصحيح الأول (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي جبالا ثابتة (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) لئلا تميد بكم (وَبَثَّ فِيها) أي فرّق فيها أي في الأرض (مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) تدبّ على وجهها من أنواع الحيوانات (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) أي غيثا وجهها من أنواع الحيوانات (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) أي غيثا ومطرا (فَأَنْبَتْنا فِيها) أي في الأرض بذلك الماء (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي صنف (كَرِيمٍ) أي حسن النبتة ، طيب الثمرة.
١١ ـ ١٥ ـ ثم أشار سبحانه إلى ما تقدّم ذكره فقال (هذا خَلْقُ اللهِ) أي هذا الذي ذكرت من السماوات على عظمها وكبر حجمها ، والأرض وما فيها خلق الله الذي أوجده وأحدثه (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يعني آلهتهم التي يعبدونها (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) المعنى : انهم لا يجدون لهذا الكلام جوابا ، ولا يمكنهم أن يشيروا إلى شيء هو خلق آلهتهم ، فلم يحملهم على عبادتهم خلقها لشيء ولكنهم في عدول ظاهر عن الحق. ولما ذكر سبحانه الأدلة الدالة على توحيده وقدرته وحكمته ، بيّن عقيب ذلك قصة لقمان ، وأنه أعطاه الحكمة فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) أي أعطيناه العقل والعلم والعمل به ، والإصابة في الأمور. كان حكيما ولم يكن نبيا ، وكان عبدا ، قال له بعض الناس : ألست كنت ترعى معنا؟ فقال : نعم ، قال : فمن أين أوتيت ما أرى؟ قال قدر الله ، وأداء الأمانة ، وصدق الحديث ، والصمت عما لا يعنيني وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن لقمان نبيّا ، ولكن كان عبدا كثير التفكر ، حسن اليقين ، أحب الله فأحبه ، ومنّ عليه بالحكمة (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) معناه : وقلنا له اشكر الله تعالى على ما أعطاك من الحكمة (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي من يشكر نعمة الله ونعمة من أنعم عليه فإنه إنما يشكر لنفسه ، لأن ثواب شكره عائد عليه ، ويستحق مزيد النعمة والزيادة الحاصلة بالشكر تكون له (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن شكر الشاكرين (حَمِيدٌ) أي محمود على أفعاله وقيل مستحمد إلى خلقه بالانعام عليهم والشكر لا يكون إلا على نعمة سبقت فهو يقتضي منعما ، فعلى هذا لا يصح أن يشكر الإنسان نفسه كما لا يصح أن يكون منعما على نفسه (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) معناه : واذكر يا محمد إذ قال لقمان لابنه (وَهُوَ يَعِظُهُ) أي يؤدّبه ويذكره ، أي في حال ما يعظه (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) أي لا تعدل بالله شيئا في العبادة (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) أصل الظلم النقصان ومنع الواجب ، فمن أشرك بالله فقد منع ما وجب لله عليه من معرفة التوحيد فكان ظالما (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) لما قدّم الأمر بشكر النعمة أتبعه بالتنبيه على وجوب الشكر لكل منعم ، فبدأ بالوالدين ، أي أمرناه بطاعة الوالدين وشكرهما والإحسان إليهما ؛ وإنما قرن شكرهما بشكره لأنه الخالق المنشىء ، وهما السبب في الإنشاء والتربية. ثم بيّن سبحانه زيادة نعمة الأم فقال : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) معناه : ضعفا على ضعف ، عن الضحّاك والحسن ، يعني ضعف نطفة الوالد على ضعف نطفة الأم عن أبي مسلم وقيل لأن العامين جملة مدة الرضاع ، لأن الحمل يؤثر فيها ، فكلما إزداد الحمل ازدادت ضعفا على ضعف ، لأنها ضعيفة الخلقة فازدادت ضعفا بالحمل ، وقيل : وهنا على وهن : أي شدّة على شدّة ، وجهدا على جهد ، عن ابن عباس وقتادة (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) أي