(فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) أي إذا نزل العذاب بأفنية دورهم كما يستعجلون (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) أي فبئس الصباح صباح من خوف وحذر فلم يحذر ولم يخف والساحة : فناء الدار وفضاؤها الواسع ، فالمراد ان العذاب لعظمه لا يسعه إلا الساحة ذات الفضاء الواسع ، وقيل : نزل بساحتهم : أي بدارهم ، عن السدي ، وكانت العرب تفاجىء أعداءها بالغارات صباحا ، فخرج الكلام على عادتهم ، ولأن الله سبحانه أجرى العادة بتعذيب الأمم وقت الصباح كما قال : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) مضى تفسيره وإنما كرّر ما سبق للتأكيد ولأن المراد بأحدهما عذاب الدنيا ، وبالآخرة عذاب الآخرة ، أي فكن على بصيرة من أمرك فسوف يكونون على بصيرة من أمرهم حين لا ينفعهم ، ثم نزّه سبحانه نفسه عن وصفهم وبهتهم فقال (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي تنزيها لربك مالك العزة يعزّ من يشاء من الأنبياء والأولياء ، لا يملك أحد اعزاز أحد سواه ، فسبحانه عما يصفونه مما لا يليق به من الصفات وهو قولهم باتخاذ الأولاد واتخاذ الشريك (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) أي سلامة وأمان لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين وخالقهم ، والمنعم عليهم ، واخلصوا له الثناء والحمد ، ولا تشركوا به أحدا ، فإن النعم كلها منه. وروى الاصبغ بن نباتة عن علي عليهالسلام انه قال : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
سورة ص
مكية وعدد آياتها ثمان وثمانون آية
١ ـ ٥ ـ (ص) اختلفوا في معناه فقيل : هو اسم للسورة وقيل غير ذلك على ما ذكرنا في أول البقرة ، وقال إبن عباس : هو اسم من أسماء الله تعالى أقسم به ، وروي ذلك عن الصادق عليهالسلام وقال الضحاك : معناه : صدق ، وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن ، فعلى هذا يجوز أن يكون موضعه نصب ، على تقدير حذف حرف القسم ، ويجوز أن يكون رفعا على تقدير هذه صاد في مذهب من جعله اسما للسورة (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) أي ذي الشرف عن ابن عباس ، يوضحه قوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) وقيل معناه : ذي البيان الذي يؤدّي إلى الحق ، ويهدي إلى الرشد ، لأن فيه ذكر الأدلة التي إذا تفكّر فيها العاقل عرف الحق عقلا وشرعا وقيل ذي التذكر لكم عن قتادة ، وقيل فيه ذكر الله وتوحيده ، وأسماؤه الحسنى ، وصفاته العلى ، وذكر الأنبياء ، وأخبار الأمم ، وذكر البعث والنشور ، وذكر الأحكام ، وما يحتاج إليه المكلف من الأحكام عن الجبائي ويؤيّده قوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (فِي عِزَّةٍ) أي في تكبّر عن قبول الحق وحمية جاهلية ، عن قتادة ويدلّ عليه قوله : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) وقيل في ملكة واقتدار قوة بتمكين الله إياهم (وَشِقاقٍ) أي عداوة وعصيان ومخالفة لأنهم يأنفون عن متابعتك ، ويطلبون مخالفتك. ثم خوّفهم سبحانه فقال (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) بتكذيبهم الرسل (فَنادَوْا) عند وقوع الهلاك بهم بالاستغاثة (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي ليس الوقت حين منجى ولا فوت وقيل : لات حين نداء ينجي (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي جاءهم رسول من أنفسهم مخوّف من جهة الله تعالى يحذّرهم المعاصي ، وينذرهم النار (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) حين يزعم انه رسول الله (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) هذا استفهام انكار وتعجيب ، وذلك ان النّبيّ صلّى