بالأذان فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لا يسمعه جنّ ولا أنس ولا حجر إلا يشهد له (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) أي يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض متفرقين ، أهل الإيمان على حدة ، وأهل كل دين على حدة ، وهذا كقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) ، وقوله : (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) أي ليروا جزاء أعمالهم والمعنى : أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار وقيل : معنى الرؤية هنا المعرفة بالأعمال عند تلك الحال وهي رؤية القلب ، ويجوز أن يكون التأويل على رؤية العين بمعنى ليروا صحائف أعمالهم فيقرؤون ما فيها لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) أي فمن يعمل وزن ذرة من الخير ير ثوابه وجزاءه (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) أي ير ما يستحق عليه من العقاب. وقال محمد بن كعب معناه : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا وهو كافر ير ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا وهو مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر ؛ وقال مقاتل : فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به ، وكذلك من الشر يراه في كتابه فيسوؤه ذلك ، قال : وكان أحدهم يستقل أن يعطي اليسير ويقول : إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وليس اليسير مما يحب ، ويتهاون بالذنب اليسير ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، فأنزل الله هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير ، ويحذرهم اليسير من الشر.
سورة العاديات
مدنية وآياتها إحدى عشرة آية
١ ـ ١١ ـ (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل الله ، أقسم الله بالخيل العادية لغزو الكفار وهي تضبح ضبحا ، وضبحها : صوت أجوافها إذا عدت ليس بصهيل ولا حمحمة ولكنه صوت نفس (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) هي الخيل توري النار بحوافرها إذا صارت في الحجارة والأرض المحصبة ، قال ابن عباس : يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزناد إذا قدح (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) يريد الخيل تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح ، وإنما ذكر وقت الصبح لأنهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا فيأتونهم صبحا ، هذا قول الأكثرين والإغارة : سرعة السير (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) يقال : ثار الغبار والدخان ، وأثرنه ، أي هيجنه ، والمعنى : فهيجن بمكان عدوهنّ غبارا (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أي صرن بعدوهن وسط جمع العدو وهم الكتيبة (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) هذا جواب القسم والكنود : الجحود لنعم الله ، وقيل : هو الذي يعد المصائب وينسى النعم. وروى أبو أمامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : أتدرون من الكنود؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده ، ويضرب عبده (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) معناه : وإن الله على كفره لشهيد ، وقيل : إن الهاء تعود إلى الإنسان والمعنى : ان الإنسان شاهد على نفسه يوم القيامة بكنوده ، أو في الدنيا فإنك لو سألته عن النعمة لم يذكر أكثرها ويذكر جميع مصائبه (وَإِنَّهُ) يعني الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أي لأجل حبّ الخير الذي هو المال ، أي من أجله لبخيل شحيح يمنع منه حق الله تعالى وقيل معناه : وانه لشديد الحب للخير : أي المال ، وعسى أن يكون حراما ولكن لأن الناس يعدّونه خيرا فكذلك سمي الجهاد سوءا فقال : لم يمسسهم سوء أي قتال وليس هو عند الله بسوء لأن الناس