الله المطيعون في الدنيا (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وهو العظيم من النار. والمراد بالفجار هنا الكفار المكذبون للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لقوله (يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) أي يلزمونها بكونهم فيها (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) أي لا يكونون غائبين عنها بل يكونون مؤبدين فيها. وقد دلّ الدليل على أن أهل الكبيرة من المسلمين لا يخلدون في النار ، ولأنه سبحانه قد ذكر المكذبين بالدين فيما قبل هذه الآية ، فالأولى أن تكون لفظة الفجار مخصوصة بهم وأيضا فإذا احتمل الكلام ذلك بطل تعلق أهل الوعيد بعموم اللفظ. ثم عظم سبحانه يوم القيامة فقال (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) تعظيما له لشدته ، وتنبيها على عظم حاله وكثرة أهواله (ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) كرّره تأكيدا لذلك وقيل : أراد ما أدراك ما في يوم الدين من النعيم لأهل الجنة ، وما أدراك ما في يوم الدين من العذاب لأهل النار عن الجبائي (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) أي لا يملك أحد الدفاع عن غيره ممن يستحق العقاب كما يملك كثير من الناس في دار الدنيا ذلك (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) وحده ، أي الحكم له في الجزاء والثواب ، والعفو والانتقام. وروى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام انه قال : ان الأمر يومئذ واليوم كله لله يا جابر ، إذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلا الله ، وقيل : معناه : يوم لا تملك نفس لنفس كافرة شيئا من المنفعة عن مقاتل ، والمعنى الصحيح في الآية : ان الله سبحانه قد ملّك في الدنيا كثيرا من الناس أمورا وأحكاما ، وفي القيامة لا أمر لسواه ولا حكم ومتى قيل : فيجب أن لا يصح على هذا شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله فالجواب ان ذلك لا يكون إلا بأمره تعالى وبإذنه هو من تدابيره.
سورة المطففين
مكية وآياتها ست وثلاثون آية
النزول
قيل : لمّا قدّم رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله عزوجل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ، فاحسنوا الكيل بعد ذلك ، عن عكرمة عن ابن عباس ؛ وقيل انه صلىاللهعليهوآلهوسلم قدم المدينة وبها رجل يقال له : أبو جهينة ومعه صاعان ، يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر ، فنزلت الآيات ، عن السدي.
ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر القيامة وما أعدّ فيها للأبرار والفجّار ، وبيّن في هذه السورة أيضا ذكر أحوال الناس في القيامة فقال :
١ ـ ١٧ ـ (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) وهم الذين ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسون الناس حقوقهم في الكيل والوزن قال الزجاج : وإنما قيل له : مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان الا الشيء اليسير الطفيف ؛ ثم فسّر المطففين فقال (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) أي اذا كالوا ما على الناس ليأخذوه لأنفسهم (يَسْتَوْفُونَ) عليهم الكيل ، ولم يذكر اتزنوا لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فأحدهما يدل على الآخر (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي كالوا لهم أو وزنوا لهم (يُخْسِرُونَ) أي ينقصون والمعنى : انهم اذا كالوا أو وزنوا لغيرهم نقصوا. ثم عجب الله خلقه من غفلة هؤلاء حيث فارقوا أمر الله وطريقة العدل فقال (أَلا يَظُنُ) أي ألا يعلم (أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) وهو يوم القيامة ، يريد ألا يستيقن من فعل هذا انه مبعوث محاسب عن ابن عباس ؛ ثم