بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم عن الكلبي (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي لم أخلق الجن والإنس إلا لعبادتي والمعنى لعبادتهم إياي عن الربيع ، فإذا عبدوني استحقوا الثواب وقيل : إلا لآمرهم وأنهاهم ، وأطلب منهم العبادة ، عن مجاهد واللام لام الغرض والمراد أن الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات ، فصار كأنه سبحانه خلقهم للعبادة ، ثم انه إذا لم يعبده قوم لم يبطل الغرض ويكون كمن هيّأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه فحضروا ولم يأكله بعضهم ، فإنه لا ينسب إلى السفه ، ويصح غرضه ، فإن الأكل موقوف على اختيار الغير ، وكذلك المسألة فإن الله إذا أزاح علل المكلفين من القدرة والآلة والألطاف وأمرهم بعبادته فمن خالف فقد أتي من قبل نفسه لا من قبله سبحانه ، وقيل معناه إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها ، عن ابن عباس (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) هذا نفي الإيهام عن خلقهم لعبادته أن يكون ذلك لعائدة نفع يعود عليه تعالى ، فبين أنه لعائدة النفع على الخلق دونه تعالى ، لاستحالة النفع عليه ، لأنّه غني لنفسه فلا يحتاج إلى غيره ، وكل الخلق يحتاج إليه وقيل معناه ما أريد أن يرزقوا أحدا من خلقي ، ولا أنى يرزقوا أنفسهم ، وما أريد أن يطعموا أحدا من خلق ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق كلهم عيال الله ، ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لعباده وللخلائق كلهم فلا يحتاج إلى معين (ذُو الْقُوَّةِ) أي ذو القدرة (الْمَتِينُ) أي القوي الذي يستحيل عليه العجز والضعف إذ هو القادر لنفسه يقال متن متانة فهو متين إذا قوي (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والمعاصي (ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي نصيبا من العذاب مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا نحو قوم نوح وعاد وثمود (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) بإنزال العذاب عليهم فإنّهم لا يفوتون (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) هذا يدل على أنهم أخّروا إلى يوم القيامة ، والويل كلمة تقولها العرب لكل من وقع في الهلكة.
سورة الطور
مكية
وآيها تسع وأربعون آية
لما ختم الله سورة الذاريات بالوعيد افتتح هذه السورة بوقوع الوعيد فقال :
١ ـ ١٦ ـ (وَالطُّورِ) أقسم الله سبحانه بالجبل الذي كلم عليه موسى (ع) بالأرض المقدسة عن الجبائي وجماعة من المفسرين وقيل : هو الجبل ، أقسم به لما أودع فيه من أنواع نعمه (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) أي مكتوب ، وهو الكتاب الذي كتبه الله لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون وقيل : هو القرآن مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ ، وهو الرق المنشور وقيل : هو صحائف الأعمال التي تخرج إلى بني آدم يوم القيامة فمنهم آخذ كتابه بيمينه ، وآخذ بشماله ، وهذا كقوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) ، عن الفراء (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) أي وينشرونه لقراءته ، والرق : ما يكتب فيه ، والمنشور : المبسوط (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) وهو بيت في