سورة البينة
مدنية وآياتها ثمان آيات
١ ـ ٨ ـ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني اليهود والنصارى (وَالْمُشْرِكِينَ) أي ومن المشركين الذين هم عبدة الأوثان من العرب وغيرهم وهم الذين ليس لهم كتاب (مُنْفَكِّينَ) أي لم يكونوا منتهين عن كفرهم بالله ، وعبادتهم غير الله (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ) اللفظ لفظ الاستقبال ومعناه المضي كقوله : ما تتلو الشياطين أي ما تلت وقوله (الْبَيِّنَةُ) يريد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ابن عباس. بيّن سبحانه لهم ضلالهم وشركهم ، وهذا اخبار من الله تعالى عن الكفار أنهم لم ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فبيّن لهم ضلالهم عن الحق ، ودعاهم إلى الإيمان وقيل معناه : لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله حتى تأتيهم البيّنة التي تقوم بها الحجّة عليهم (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) بيان للبينة وتفسير لها ، أي رسول من قبل الله (يَتْلُوا) عليهم (صُحُفاً مُطَهَّرَةً) يعني مطهرة في السماء لا يمسّها إلّا الملائكة المطهرون من الأنجاس (فِيها) أي في تلك الصحف (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أي مستقيمة عادلة غير ذات عوج تبين الحق من الباطل وقيل : مطهرة عن الباطل والكذب والزور ، يريد القرآن ، ويعني بالصحف ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها ، ويدل على ذلك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب وقيل : فيها كتب قيمة معناه : في هذه الصحف التي هي القرآن كتب قيمة ، أي ان القرآن يشتمل على معاني الكتب المتقدمة فتاليها تالي الكتب القيمة كما قال : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، فإذا كان مصدقا لها كان تاليا لها ، وقيل معناه : في القرآن كتب قيمة ، بمعنى أنه يشتمل على أنواع من العلوم كل نوع كتاب (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) يعني وما أختلف هؤلاء في أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا من بعد ما جاءتهم البشارة به في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم فكانت الحجة قائمة عليهم ، فكذلك لا يترك المشركون من غير حجة تقوم عليهم وقيل معناه : ولم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى بعثه الله ، فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم وكفر آخرون. ثم ذكر سبحانه ما أمروا به في كتبهم فقال (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) أي لم يأمرهم الله تعالى إلّا لأن يعبدوا الله وحده لا يشركون بعبادته ، فهذا ما لا تختلف فيه ملّة ، ولا يقع فيه تبدل (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لا يخلطون بعبادته عبادة ما سواه (حُنَفاءَ) مائلين عن جميع الأديان إلى دين الإسلام ، مسلمين مؤمنين بالرسل كلهم (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) أي ويداوموا على إقامة الصلاة ، ويخرجوا ما فرض عليهم في أموالهم من الزكاة (وَذلِكَ) يعني الدين الذي قدّم ذكره (دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي دين الكتب القيمة التي تقدّم ذكرها ، وقيل : دين الملة القيمة ، والشريعة القيمة قال النضر بن شميل : سألت الخليل عن هذا فقال : القيمة جمع القيم ، والقيم والقائم واحدة ، فالمراد : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد. وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر لأن فيها تصريحا بأنه سبحانه إنما خلق الخلق ليعبدوه ، واستدل بهذه الآية أيضا على وجوب النيّة في الطهارة ، إذ أمر سبحانه بالعبادة على وجه الإخلاص ، ولا يمكن الإخلاص إلّا بالنيّة والقربة ، والطهارة عبادة فلا تجري من غير نيّة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) يعني من جحد توحيد الله ، وأنكر نبوة نبيه (ص) ، ومن أشرك معه إلها آخر في العبادة (فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) لا يفنى عقابهم (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أي شرّ