الأمر والنهي أحد سواه ، فيجازيكم بالثواب والعقاب على الطاعات والمعاصي على قدر أعمالكم.
سورة الصافات
مكية وعدد آياتها مائة واثنتان وثمانون آية
١ ـ ١٠ ـ (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) اختلف في معنى الصافات على وجوه (أحدها) انها الملائكة تصف أنفسها صفوفا في السماء كصفوف المؤمنين في الصلاة ، عن ابن عباس ومسروق والحسن وقتادة والسدي (وثانيها) انها الملائكة تصف أجنحتها في الهواء إذا أرادت النزول إلى الأرض ، واقفة تنتظر ما يأمرها الله تعالى ، عن الجبائي (وثالثها) انهم جماعة من المؤمنين يقومون مصطفين في الصلاة وفي الجهاد ، عن أبي مسلم (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) اختلف فيه أيضا على وجوه (أحدها) انها الملائكة تزجر الخلق عن المعاصي زجرا ، عن السدي ومجاهد ، وعلى هذا فانه يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد كما يوصل مفهوم اغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصحّ التكليف (وثانيها) انها الملائكة الموكّلة بالسحاب تزجرها وتسوقها ، عن الجبائي (وثالثها) انها زواجر القرآن وآياته الناهية عن القبائح (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) انها الملائكة تقرأ كتب الله تعالى ، والذكر : الذي ينزله على الموحى إليه (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) وهذه أقسام أقسم الله تعالى بها أنه واحد ليس له شريك ، وإنما جاز ذلك لأنه ينبىء عن تعظيمها بما فيها من الدلالة على توحده وصفاته العلى ، فله سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما ومدبّرهما (وَما بَيْنَهُما) من سائر الأجناس من الحيوان والنبات والجماد (وَرَبُّ الْمَشارِقِ) وهي مشارق الشمس ، أي مطالعها بعدد أيام السنة ثلاثمائة وستون مشرقا ، والمغارب مثل ذلك ، تطلع الشمس كل يوم من مشرق وتغرب في مغرب (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) يعني التي هي أقرب السماوات إلينا ، وإنما خصّها بالذكر لاختصاصها بالمشاهدة (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) أي بحسنها وضوئها ؛ والتزيين : تحسين الشيء وجعله على صورة تميل إليها النفس ، فالله سبحانه زيّن السماء على وجه تمتع الرائي لها ، وفي ذلك أعظم النعمة على العباد مع ما لهم من المنفعة بالتفكير فيها ، والاستدلال بها على صانعها (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ) أي وحفظناها من كل شيطان (مارِدٍ) أي خبيث خال من الخير متمرّد والمعنى : وحفظناها من دنّو كل شيطان للاستماع ، فإنهم كانوا يسترقون السمع ، ويستمعون إلى كلام الملائكة ويقولون ذلك إلى ضعفة الجن ، وكانوا يوسوسون بها في قلوب الكهنة ويوهمونهم انهم يعرفون الغيب ، فمنعهم الله تعالى عن ذلك (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) أي لكيلا يتسمعوا إلى الكتبة من الملائكة في السماء. والملأ الأعلى : عبارة عن الملائكة لأنهم في السماء (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ) أي يرمون بالشهب من كل جانب من جوانب السماء إذا أرادوا الصعود إلى السماء للإستماع (دُحُوراً) أي دفعا لهم بالعنف وطردا (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) أي ولهم مع ذلك أيضا عذاب دائم يوم القيامة (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) إلا من وثب الوثبة إلى قريب من السماء فاختلس خلسة من الملائكة ، واستلب استلابا بسرعة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) أي فلحقه وأصابه نار مضيئة محرقة ، والثاقب : المنير المضيء ، وهذا كقوله ، (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ).
١١ ـ ٢٠ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي فاسألهم يا محمد سؤال تقرير (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) أي أحكم صنعا (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) قبلهم من الأمم الماضية ، والقرون السالفة ، يريد انهم ليسوا بأحكم خلقا منّ غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم وقيل : أهم أشد خلقا