سورة الانفطار
مكية وآياتها تسع عشرة آية
١ ـ ١٩ ـ (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) أي انشقت وتقطعت ومثله : (يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) الآية (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) أي تساقطت وتهافتت (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) أي فتح بعضها في بعض عذبها في ملحها وملحها في عذبها فصارت بحرا واحدا (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) أي قلب ترابها وبعث الموتى الذين فيها (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) وهذا كقوله سبحانه : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) ، وقد مرّ ذكره عن عبد الله بن مسعود قال : ما قدمت من خير أو شر ، وما أخرت من سنة حسنة استنّ بها بعده فله أجر من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، أو سنة سيئة عمل بها بعده فعليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ؛ ويؤيد هذا القول ما جاء في الحديث : ان سائلا قام على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فسأل فسكت القوم ، ثم ان رجلا أعطاه فأعطاه القوم ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من استنّ خيرا فاستنّ به فله أجره ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم ، ومن استنّ شرّا فاستنّ به فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم ، قال : فتلا حذيفة بن اليمان : ((عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ)). (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) أي أيّ شيء غرّك بخالقك وخدعك وسوّل لك الباطل حتى عصيته وخالفته؟ وروي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما تلا هذه الآية قال : غرّه جهله. والكريم : هو المنعم الذي كل أفعاله إحسان وانعام لا يجرّ به نفعا ، ولا يدفع به ضررا وقيل : هو الذي يعطي ما عليه وما ليس عليه ، ولا يطلب ما له وقيل : إن من كرمه سبحانه انه لم يرض بالعفو عن السيئات حتى بدّلها بالحسنات وقيل للفضيل بن عياض : لو أقامك الله يوم القيامة بين يديه فقال ما غرّك بربك الكريم ماذا كنت تقول له؟ قال : أقول غرّني ستورك المرخاة ، وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني الله بين يديه فقال : ما غرّك بي؟ قلت : غرّني بك برّك بي سالفا وآنفا ، وعن بعضهم قال : غرّني حلمك ، وعن أبي بكر الوراق : غرّني كرم الكريم ؛ وانما قال سبحانه الكريم دون سائر أسمائه وصفاته لأنه كأنّه لقّنه الإجابة حتى يقول غرّني كرم الكريم وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : كم مغرور بالستر عليه ، ومستدرج بالإحسان إليه (الَّذِي خَلَقَكَ) من نطفة ولم تك شيئا (فَسَوَّاكَ) إنسانا تسمع وتبصر (فَعَدَلَكَ) أي جعلك معتدلا (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) أي في أيّ شبه من أب أو أم أو خال أو عم والمعنى : انه سبحانه يقدر على جعلك كيف شاء ولكنه خلقك في أحسن تقويم حتى صرت على صورتك التي أنت عليها لا يشبهك شيء من الحيوان وقيل : في أي صورة شاء من ذكر أو أنثى ، حسن أو دميم (كَلَّا) أي ليس الأمر كما تزعمون انه لا بعث ولا حساب مع وضوح الأمر فيه ، وقيام الدلالة عليه (بَلْ تُكَذِّبُونَ) معاشر الكفار (بِالدِّينِ) الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو الإسلام (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) من الملائكة يحفظون عليكم ما تعملون من الطاعات والمعاصي. ثم وصف الحفظة فقال (كِراماً) على ربهم (كاتِبِينَ) يكتبون أعمال بني آدم (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) من خير وشرّ فيكتبونه عليكم ، لا يخفى عليهم من ذلك شيء وقيل : ان الملائكة تعلم ما يفعله العبد إما باضطرار وإما باستدلال وقيل معناه : يعلمون ما تفعلون من الظاهر دون الباطن ، وفي هذا دلالة على أن أفعال العبد حادثة جهتهم ، وإنهم المحدثون لها دونه تعالى والا فلا يصح قوله تفعلون (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) وهو الجنة. والأبرار : أولياء