عَنْهُمْ) تتصدع فيخرجون منها (سِراعاً) يسرعون إلى الداعي بلا تأخير (ذلِكَ حَشْرٌ) والحشر : الجمع بالسوق من كل جهة (عَلَيْنا يَسِيرٌ) أي سهل علينا غير شاقّ ، هين غير متعذر مع تباعد ديارهم وقبورهم. ثم عزّى سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أي بما يقوله هؤلاء الكفار في تكذيبك ، وجحود نبوتك ، وانكار البعث ، لا يخفى علينا من أمرهم شيء (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي بمسلط قادر على قلوبهم فتجبرهم على الإيمان ، وانما بعثت منذرا داعيا مرغبا وقيل : جبار من جبرته على الأمر ، بمعنى اجبرته ، وقيل معناه : ما أنت عليهم بفظ غليظ لا تحلم عنهم فاحتمل اذاهم (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) إنّما خصّ بالذكر من يخاف وعيد الله لأنه الذي ينتفع به.
سورة الذاريات
مكية وآياتها ستون آية
لمّا ختم الله تعالى سورة ق بالوعيد ، افتتح هذه السورة بتحقيق الوعيد فقال :
١ ـ ١٤ ـ (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) روي ان ابن الكوا سأل أمير المؤمنين عليّا عليهالسلام وهو يخطب على المنبر فقال : (الذَّارِياتِ ذَرْواً)؟ قال : الرياح قال : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً)؟ قال السحاب قال : (فَالْجارِياتِ يُسْراً)؟ قال : السفن قال : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً)؟ قال : الملائكة ، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد ، فالذاريات : الرياح تذرو التراب ، وهشيم النبات ، أي تفرّقه (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) السحاب تحمل ثقلا من الماء من بلد إلى بلد ، فتصير موقرة به ، والوقر : بالكسر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن (فَالْجارِياتِ يُسْراً) السفن تجري ميسّرة على الماء جريا سهلا إلى حيث سيّرت ، وقيل : هي السحاب تجري يسرا إلى حيث سيّرها الله من البقاع ، وقيل : هي النجوم السبعة السيارة : الشمس ، والقمر ، وزحل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة ، وعطارد (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) الملائكة يقسّمون الأمور بين الخلق ، على ما أمروا به. أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لكثرة ما فيها من المنافع للعباد ، ولما تضمنه من الدلالة على وحدانية الله تعالى ، وبدائع صنعه وقال أبو جعفر وأبو عبد الله (ع): انه لا يجوز لأحد ان يقسم إلّا بالله تعالى ، والله سبحانه يقسم بما يشاء من خلقه ، ثم ذكر المقسم عليه فقال (إِنَّما تُوعَدُونَ) أي من الثواب والعقاب ، والجنة والنار (لَصادِقٌ) أي صدق لا بدّ من كونه (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) أي ان الحساب لكائن يوم القيامة. ، ثم انشأ قسما آخر فقال (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) أي ذات الطرائق الحسنة لكنا لا نرى تلك الحبك لبعدها عنا ، عن الحسن والضحاك ، وقيل : ذات الخلق الحسن المستوي ، عن ابن عباس وقتادة وعكرمة والربيع ، وقيل : ذات الحسن والزينة ، عن علي عليهالسلام (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) هذا جواب القسم ، أي انكم يا أهل مكة في قول مختلف في قول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فبعضكم يقول : شاعر ، وبعضكم يقول : مجنون ، وفي القرآن يقولون : انه سحر وكهانة ورجز وما سطره الأولون (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) أي يصرف عن الايمان به من صرف عن الخير ، أي المصروف عن الخيرات كلها من صرف عن هذا الدين ، والصارف لهم رؤساء البدع ، وأئمة الضلال (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) أي لعن الكذابون ، يعني الذين يكذبون على الله وعلى رسوله. ثم وصف سبحانه هؤلاء الكفار فقال (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) أي في شبهة وغفلة ، غمرهم الجهل (ساهُونَ) أي لاهون عما يجب عليهم (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) أي متى وقت الجزاء؟ انكارا واستهزاءا لا على وجه الاستفادة لمعرفته ، فأجيبوا بما يسوؤهم من الحق الذي لا