الشيء من الإحصاء ، ويجوز أن يكون كتابا حالا مؤكدة ، أي أحصيناه في حال كونه مكتوبا عليهم ، والكتاب بمعنى المكتوب (فَذُوقُوا) أي فقيل لهؤلاء الكفار ذوقوا ما أنتم فيه من العذاب (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) لأن كل عذاب يأتي بعد الوقت الأول فهو زائد عليه.
٣١ ـ ٤٠ ـ ثم عقب سبحانه وعيد الكفار بالوعد للمتقين الأبرار فقال (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) الذين يتقون الله باجتناب الشرك والمعاصي (مَفازاً) أي فوزا ونجاة إلى حال السلامة والسرور. ثم بيّن ذلك الفوز فقال (حَدائِقَ وَأَعْناباً) يعني أشجار الجنة وثمارها (وَكَواعِبَ أَتْراباً) أي جواري تكعب ثديهنّ مستويات في السن ومعناه : استواء الخلقة والقامة والصورة والسن حتى يكنّ متشاكلات (وَكَأْساً دِهاقاً) أي مترعة (لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي في الجنة (لَغْواً) أي كلاما لغوا لا فائدة فيه (وَلا كِذَّاباً) ولا تكذيب بعضهم لبعض (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ) أي فعل بالمتقين ما فعل بهم جزاء من ربك على تصديقهم بالله ونبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (عَطاءً) أي أعطاهم الله عطاء (حِساباً) أي قدر الاستحقاق ، وبحسب العمل (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) مرّ ذكره والمعنى : أن الذي يفعل بالمؤمنين ما تقدّم ذكره هو رب السماوات والأرض ومدبّرهما ومدبّر ما بينهما ، والمتصرف فيهما على ما يشاء ، الرحمن المنعم على خلقه مؤمنهم وكافرهم (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) أي لا يملكون أن يسألوه إلّا فيما أذن لهم فيه كقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) وقوله : (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) أي في ذلك اليوم ، والروح : ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقا أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفّا وقامت الملائكة كلّهم صفّا واحدا ، فيكون عظم خلقه مثل صفّهم قوله : صفا معناه : مصطفين (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) وهم المؤمنون والملائكة (وَقالَ) في الدنيا (صَواباً) أي شهد بالتوحيد وقال : لا إله إلا الله وقيل : إن الكلام هاهنا الشفاعة ، أي لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن أن يشفع عن الحسن والكلبي ؛ وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سئل عن هذه الآية فقال : نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون قال : جعلت فداك ما تقولون؟ قال : نمجّد ربّنا ، ونصلّي على نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا. رواه العياشي مرفوعا (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) الذي لا شك في كونه وحصوله ، يعني القيامة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي مرجعا للطاعة والمعنى : فمن شاء عمل عملا صالحا يؤوب إلى ربه فقد أزيحت العلل ، وأوضحت السبل ، وبلغت الرسل ، والمآب : من الأوب وهو الرجوع. ثم خوّف سبحانه كفار مكة فقال : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) يعني العذاب في الآخرة ، فإن كل ما هو آت قريب (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) أي ينتظر جزاء ما قدّمه ، فإن قدم الطاعة انتظر الثواب ، وإن قدم المعصية انتظر العقاب (وَيَقُولُ الْكافِرُ) في ذلك اليوم (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي ليتمنى أن لو كان ترابا لا يعاد ولا يحاسب ليتخلص من عقاب ذلك اليوم.
سورة النازعات
مكية وآياتها ست وأربعون آية
١ ـ ١٤ ـ (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) يعني الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم بالشدة كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المدى ، وروي ذلك ، عن علي عليهالسلام (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) انها الملائكة تنشط أرواح الكفار بين