من شدّة حرّه وقوله : ما خلق عام في جميع ما خلقه الله تعالى ممن يجوز أن يحصل منه الشر وتقديره : من شرّ الأشياء التي خلقها الله تعالى مثل السباع والهوام والشياطين وغيرها (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) أي ومن شرّ الليل إذا دخل بظلامه ، وعلى هذا فيكون المراد من شرّ ما يحدث في الليل من الشر والمكروه ، وإنما اختصّ الليل بالذكر لأن الغالب أن الفساق يقدمون على الفساد بالليل ، وكذلك الهوام والسباع تؤذي فيه أكثر ؛ وأصل الغسق : الجريان بالضرر وقيل : إن معنى الغاسق : كل هاجم بضرورة كائنا ما كان (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) معناه : ومن شرّ النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد عن الحسن وقتادة ، وإنما أمر بالتعوذ من شرّ السحرة لإيهامهم أنهم يمرضون ويصحون ويفعلون شيئا من النفع والضر والخير والشر ، وعامة الناس يصدّقونهم فيعظم بذلك الضرر في الدين ، ولأنهم يوهمون أنهم يخدمون الجن ، ويعلمون الغيب ، وذلك فساد في الدين ظاهر ، فلأجل هذا الضرر أمر بالتعوذ من شرهم (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ، فأمر بالتعوذ من شرّه وقيل : انه أراد من شرّ نفس الحاسد ومن شرّ عينه فإنه ربما أصاب بهما فعاب وضر ، وقد جاء في الحديث ان العين حق وقد مضى الكلام فيه ، وروى أنس ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان كثيرا ما يعوذ الحسن والحسين عليهماالسلام بهاتين السورتين وقال بعضهم : ان الله سبحانه جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسّ الطبائع ،
سورة الناس
مدنية وآياتها ست آيات
١ ـ ٦ ـ (قُلْ) يا محمد (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أي خالقهم ومدبّرهم ومنشئهم (مَلِكِ النَّاسِ) أي سيّدهم والقادر عليهم (إِلهِ النَّاسِ) معناه : الذي يجب على الناس أن يعبدوه لأنه الذي تحقّ له العبادة دون غيره (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) معناه : من شرّ ذي الوسواس وهو الشيطان كما جاء في الأثر : انه يوسوس فإذا ذكر العبد ربّه خنس. ثم وصفه الله تعالى بقوله (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع. ثم ذكر ان هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس (مِنَ الْجِنَّةِ) وهم الشياطين كما قال سبحانه : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) ، ثم عطف بقوله (وَالنَّاسِ) على الوسواس والمعنى : من شرّ الوسواس ومن شرّ الناس ، كأنّه أمر أن يستعيذ من شرّ الجن والإنس قال مجاهد : الخناس : الشيطان ، إذا ذكر اسم الله سبحانه خنس وانقبض ، وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب ويؤيده ما روي عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس ، وإذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس وقيل : الخناس معناه : الكثير الاختفاء بعد الظهور ، وهو المستتر المختفي من أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين وقيل : ان معنى قوله (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) : يلقي الشغل في قلوبهم بوسواسه وفيه إشارة أيضا إلى أنه سبحانه يراعي حال من يتعوذ به فيكفيه شرورهم ، ولولا ذلك لما دعاه إلى التعوذ به من شرورهم. ولما وصف سبحانه نفسه بأنه الرب الإله الغني عن الخلق ، فإن من احتاج إلى غيره لا يكون إلها ، ومن كان غنيّا عالما لغناه لا يختار فعل القبيح ، ولهذا حسنت الاستعاذة به من شرّ غيره ؛ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من مؤمن إلّا ولقلبه في صدره اذنان : أذن ينفث فيها الملك ، وأذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس ، فيؤيّد الله المؤمن بالملك وهو قوله سبحانه : وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.