فيسأل الرجعة إلى الدنيا ليتدارك الفائت قالوا : وليس في الزجر من الشريط في حقوق الله آية أعظم من هذه. وقوله (إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) : أي مثل ما أجلت لي في دار الدنيا (فَأَصَّدَّقَ) أي فأتصدق وأزكي مالي وأنفقه في سبيل الله (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي من الذين يعملون الأعمال الصالحة عن ابن عباس قال : ما من أحد يموت وكان له مال فلم يؤدّ زكاته ، وأطاق الحج فلم يحجّ إلّا سأل الرجعة عند الموت ، ثم قرأ هذه الآية إلى قوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ) ، قال : الصلاح هنا الحج وروي ذلك عن أبي عبد الله (ع) (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) يعني الأجل المطلق الذي حكم بأن الحي يموت عنده ، والأجل المقيد : هو الأجل المحكوم بأن العبد يموت عنده إن لم يقتطع دونه ، أو لم يزد عليه أو لم ينقص منه ، على ما يعلمه الله من المصلحة (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي عليم بأعمالكم يجازيكم بها.
سورة التغابن
مدنية وعدد آيها ثمان عشرة آية
١ ـ ٥ ـ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تسبيح المكلفين بالقول ، وتسبيح الجمادات بالدلالة (لَهُ الْمُلْكُ) منفردا دون غيره ، والألف واللام لاستغراق الجنس والمعنى : أنه المالك لجميع ذلك ، والمتصرف فيه كيف يشاء (وَلَهُ الْحَمْدُ) على جميع ذلك لأن خلق ذلك أجمع ، الغرض فيه الإحسان إلى خلقه ، والنفع لهم به ، فاستحقّ بذلك الحمد والشكر (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يوجد المعدوم ، ويفني الموجود ، ويغيّر الأحوال كما يشاء (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي أنشأكم وأوجدكم من عدم كما أراد ، والخطاب للمكلفين (فَمِنْكُمْ كافِرٌ) لم يقرّ بأن الله خلقه كالدهرية (وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) مقرّ بأن الله خلقه وقيل معناه : فمنكم كافر في السرّ مؤمن في العلانية كالمنافقين ، ومنكم مؤمن في السرّ كافر في العلانية كعمار وذويه عن الضحاك ، والمعنى : ان المكلفين جنسان : منهم كافر فيدخل فيه أنواع الكفر ومنهم مؤمن ، ولا يجوز حمله على انه سبحانه خلقهم مؤمنين وكافرين ، لأنه لم يقل كذلك بل أضاف الكفر والإيمان إليهم وإلى فعلهم ، ولدلالة العقول على أن ذلك يقع على حسب قصودهم وأفعالهم ، ولذلك يصحّ الأمر والنهي ، والثواب والعقاب ، وبعثة الأنبياء ، على انه سبحانه لو جاز أن يخلق الكفر والقبائح لجاز أن يبعث رسولا يدعو إلى الكفر والضلال ، ويؤيّده بالمعجزات ، تعالى عن ذلك وتقدّس ، هذا وقد قال تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل مولود يولد على الفطرة ، تمام الخبر وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم حكاية عن الله سبحانه : خلقت عبادي كلهم حنفاء ، ونحو ذلك من الأخبار كثير (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي خلق الكافر وهو عالم بما يكون منه من الكفر ، وخلق المؤمن وهو عالم بما يكون منه من الإيمان ، فيجازيهما على حسب أعمالهما (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي بالعدل وبإحكام الصنعة ، وصحة التقدير وقيل معناه : للحق ، وهو أنه خلق العقلاء تعريضا إياهم للثواب العظيم ، وخلق ما عداهم تبعا لهم لما في خلقهما لهم من اللطف (وَصَوَّرَكُمْ) يعني البشر كلهم (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) من حيث الحكمة وقبول العقل لا قبول الطبع لأن في جملتهم من ليس على هذه الصفة وقيل : فأحسن صوركم من حيث قبول الطبع فإنّ ذلك هو المفهوم من حسن الصور فهو كقوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ، وإن كان في جملتهم من هو مشوّه الخلق لأن ذلك عارض لا يعتدّ به في هذا الوصف ، فالله سبحانه خلق الإنسان على أحسن صور الحيوان كله والصورة عبارة عن بنية مخصوصة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي إليه المرجع والمآل يوم