وفضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم وقيل : هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون ، ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم فقال (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) أي ان اعتذروا من كفرهم لم يقبل منهم ، وإن تابوا لم تنفعهم التوبة ؛ وإنما نفى أن تنفعهم المعذرة في الآخرة مع كونها نافعة في دار الدنيا لأن الآخرة دار الإلجاء إلى العمل ، والملجأ غير محمود على العمل الذي ألجىء إليه (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي البعد من الرحمة ، والحكم عليهم بدوام العقاب (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) جهنّم نعوذ بالله منها. ثم بيّن سبحانه نصرته موسى وقومه فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) أي أعطيناه التوراة فيها أدلة واضحة على معرفة الله وتوحيده (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) أي وأورثنا من بعد موسى بني إسرائيل التوراة وما فيه من البيان (هُدىً) أي هو هدى ، أي دلالة يعرفون بها معالم دينهم (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي وتذكير لأولي العقول لأنهم الذين يتمكّنون من الانتفاع به دون من لا عقل له : ثم أمر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصبر فقال (فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى قومك وتحمل المشاق في تكذيبهم إياك (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) الذي وعدك به من النصر في الدنيا والثواب في الآخرة (حَقٌ) لا خلف فيه (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) هذا تعبّد من الله سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالدعاء والإستغفار لكي يزيد في الدرجات ، وليصير سنة لمن بعده (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي نزّه الله تعالى واعترف بشكره ، وإضافة النعم إليه ، ونفي التشبيه عنه (بِالْعَشِيِ) من زوال الشمس إلى الليل (وَالْإِبْكارِ) من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
٥٦ ـ ٦٠ ـ ثم قال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) أي يخاصمون (فِي آياتِ اللهِ) أي في دفع آيات الله وإبطالها (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) أي حجة. (أَتاهُمْ) الله إياها يتسلّط بها على انكار مذهب يخالف مذهبهم (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) أي ليس في صدورهم إلّا عظمة وتكبر على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) أي ما هم ببالغي مقتضى تلك العظمة لأن الله تعالى مذلّهم ، ولأن الله تعالى يرفع بشرف النبوة من يشاء (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من شر اليهود والدجال ومن جميع ما يجب الإستعاذة منه (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوال هؤلاء (الْبَصِيرُ) بضمائرهم. وفي هذا تهديد لهم فيما اقدموا عليه. ثم قال سبحانه (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مع عظمهما وكثرة أجزائهما ووقوفهما بغير عمد ، وجريان الفلك والكواكب من غير سبب (أَكْبَرُ) أي أعظم وأهول في النفس (مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) وإن كان خلق الناس عظيما بما فيه من الحياة والحواس المهيّأة لأنواع مختلفة من الإدراكات (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لعدولهم عن الفكر فيه والاستدلال على صحته والمعنى : انهم إذا اقرّوا بأن الله تعالى خلق السماء والأرض فكيف انكروا قدرته على إحياء الموتى؟! (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي لا يستوي من أهمل نفسه ومن تفكّر فعرف الحقّ. شبّه الذي لا يتفكر في الدلائل بالأعمى ، والذي يستدل بها بالبصير (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) أي وما يستوي المؤمنون الصالحون ولا الكافر الفاسق في الكرامة والإهانة والهدى والضلال (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) أي قلّ نظرهم فيما ينبغي أن ينظروا فيه مما دعوا إليه (إِنَّ السَّاعَةَ) يعني القيامة (لَآتِيَةٌ) أي جائية واقعة (لا رَيْبَ فِيها) أي لا شكّ في مجيئها (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدّقون بذلك لجهلهم بالله تعالى ، وشكّهم في أخباره (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) يعني إذا اقتضت المصلحة اجابتكم ؛ وكل من يسأل الله شيئا ويدعوه فلابدّ أن يشترط المصلحة في ذلك إما لفظا أو إضمارا وإلّا كان قبيحا ، لأنه ربما كان داعيا بما يكون فيه مفسدة ، وقيل معناه : وحدّوني واعبدوني أثبكم ،