منعم عليهن. والوجه في بيعة النساء مع انهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة ، هو أخذ العهد عليهن بما يصلح من شأنهن في الدين والأنفس والأزواج ، وكان ذلك في صدر الإسلام ، ولئلا ينفتق بهن فتق لما وضع من الأحكام ، فبايعهن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حسما لذلك. ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وقيل أراد جميع الكفار ، أي لا تتخذوا كافرا من الكفار وليا ثم وصف الكفار فقال (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) أي من ثواب الآخرة (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) يعني أن اليهود بتكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وهم يعرفون صدقه ، وأنه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ وخير كما يئس الكفار الذين ماتوا وصاروا في القبور من أن يكون لهم في الآخرة حظ ، لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله.
سورة الصف
مدنية وآيها أربع عشرة آية
النزول
نزل قوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) في قوم كانوا يقولون : إذا لقينا العدو لم نفر ولم نرجع عنهم ، ثم لم يفوا بما قالوا ، وانفلّوا يوم أحد حتى شجّ وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكسرت رباعيته ، وقيل : لما أخبر الله سبحانه رسوله بثواب شهداء بدر قالت الصحابة : لئن لقينا بعد قتالا لنفرغن فيه وسعنا ، ثم فرّوا يوم أحد ، فعيّرهم الله تعالى بذلك ، عن محمد بن كعب ، وقيل : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون وددنا لو أن الله دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به ، فأخبرهم الله أن أفضل الأعمال إيمان لا شكّ فيه والجهاد ، فكره ذلك ناس وشقّ عليهم ، وتباطأوا عنه ، فنزلت الآية.
١ ـ ٥ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مرّ تفسيره وإنما أعيد ها هنا لأنه استفتاح السورة بتعظيم الله من جهة ما سبّح له بالآية التي فيه كما يستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم ، وإذا دخل المعنى في تعظيم الله حسن الاستفتاح به (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) قيل : إن الخطاب للمنافقين وهو تقريع لهم بأنهم يظهرون الإيمان ولا يبطنونه وقيل : إن الخطاب للمؤمنين وتعيير لهم أن يقولوا شيئا ولا يفعلونه قال الجبائي هذا على ضربين أحدهما أن يقول سأفعل ومن عزمه أن لا يفعله فهذا قبيح مذموم والآخر أن يقول : سأفعل ومن عزمه أن يفعله والمعلوم أنه لا يفعله فهذا قبيح لأنه لا يدري أيفعله أم لا ، وينبغي في مثل هذا أن يقرن بلفظة ان شاء الله (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) أي كبر هذا القول وعظم مقتا عند الله وهو أن تقولوا ما لا تفعلونه وقيل معناه : كبر أن تقولوا ما لا تفعلونه ، وتعدوا من أنفسكم ما لا تفون به مقتا عند الله (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) أي يصفون أنفسهم عند القتال صفا وقيل : يقاتلون في سبيله مصطفّين (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) كأنّه بني بالرصاص لتلاؤمه وشدّة اتصاله وقيل : كأنّه حائط ممدود رصّ على البناء في احكامه واتصاله واستقامته. أعلم الله سبحانه أنه يحب من ثبت في القتال ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص ، ومعنى محبة الله إياهم : انه يريد ثوابهم ومنافعهم ، ثم ذكر سبحانه حديث موسى عليهالسلام في صدق نيته ، وثبات عزيمته على الصبر في أذى قومه ، تسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في تكذيبهم إياه فقال (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) هذا انكار عليهم ايذاءه بعد ما علموا أنه رسول الله ، والرسول يعظّم ويبجّل ولا يؤذى ، وكان قومه آذوه بأنواع من الأذى وهو قولهم : اجعل لنا إلها ، واذهب أنت وربك فقاتلا ، وما روي في قصة قارون أنه دسّ إليه امرأة