صرف الله عنه سوء مكرهم فنجا مع موسى حتى عبر البحر معه عن قتادة ، وقيل : انهم همّوا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلّي وحوله الوحوش صفوفا فخافا ورجعا هاربين (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ) أي أحاط ونزل بهم (سُوءُ الْعَذابِ) أي مكروهه وما يسوء منه ؛ وآل فرعون : أشياعه وأتباعه ، وقيل : من كان على دينه عن الحسن وإنما ذكر آله ولم يذكره لأنهم إذا هلكوا بسببه فكيف يكون حاله. وسوء العذاب في الدنيا : الغرق ، وفي الآخرة النار وذلك قوله (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباحا ومساء فيعذبون وإنما رفع النار بدلا من قوله سوء العذاب ، وعن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله (ص) قال : إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ ، إن كان من أهل الجنة فمن الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن النار ، يقال : هذا مقعدك حين يبعثك الله يوم القيامة ، أورده البخاري ومسلم في الصحيحين ، وقال أبو عبد الله (ع): ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة ، لأنّ في نار القيامة لا يكون غدوّا وعشيّا ، ثم قال : إن كانوا يعذّبون في النار غدوّا وعشيّا ففيما بين ذلك هم من السعداء ، لا ، ولكن هذا في البرزخ قبل يوم القيامة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) وهذا أمر للملائكة بإدخالهم في أشدّ العذاب وهو عذاب جهنّم.
٤٧ ـ ٥٠ ـ (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) معناه : واذكر يا محمد لقومك الوقت الذي يتحاج فيه أهل النار في النار ، ويتخاصم الرؤساء والأتباع (فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ) وهم الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الرؤساء (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ) معاشر الرؤساء (تَبَعاً) وكنا نمتثل أمركم ونجيبكم إلى ما تدعوننا إليه (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) لأنّه يلزم الرئيس الدفع عن أتباعه والمنقادين لأمره ، أي هل أنتم حاملون عنّا قسطا من النار والعذاب الذي نحن فيه؟ (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها) أي نحن وأنتم في النار (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) بذلك ، وبأن لا يتحمل أحد عن أحد ، وأنه يعاقب من أشرك به وعبد معه غيره لا محالة (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ) أي حصلوا في النار من الأتباع والمتبوعين (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) وهم الذين يتولون عذاب أهل النار من الملائكة الموكلين بهم (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) يقولون ذلك لأنه لا طاقة لهم على شدّة العذاب ولشدّة جزعهم ، إلا أنهم يطمعون في التخفيف (قالُوا) أي قال الخزنة لهم (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي الحجج والدلالات على صحة التوحيد والنبوات ، أي فكفرتم وعاندتم حتى استحققتم هذا العذاب (قالُوا بَلى) جاءتنا الرسل والبينات فكذّبناهم وجحدنا نبوتهم (قالُوا فَادْعُوا) أي قالت الخزنة : فادعوا أنتم فإنا لا ندعو إلا بإذن ولم يؤذن لنا فيه (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي في ضياع لأنه لا ينتفع به.
٥١ ـ ٥٥ ـ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي ننصرهم بوجوه النصر ، فإن النصر قد يكون بالحجة ، ويكون أيضا بالغلبة في المحاربة وذلك بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ويعلمه سبحانه من المصلحة ، ويكون أيضا بالألطاف والتأييد ، وتقوية القلب ، ويكون بإهلاك العدو. وكل هذا قد كان للأنبياء والمؤمنين من قبل الله تعالى ، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم ، وقد نصروا أيضا بالقهر على من ناوأهم ، وقد نصروا بإهلاك عدوّهم وانجائهم مع من آمن معهم ، وقد يكون النصر بالانتقام لهم كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل حين قتل به سبعون ألفا ، فهم لا محالة منصورون في الدنيا بأحد هذه الوجوه (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) جمع شاهد وهم الذين يشهدون بالحق للمؤمنين وعلى المبطلين والكافرين يوم القيامة ، وفي ذلك سرور للمحق ،