(وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) معناه : وإني لأظن موسى كاذبا في قوله ان له إلها غيري أرسله إلينا (وَكَذلِكَ) أي مثل ما زيّن لهؤلاء الكفار سوء أعمالهم (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) أي قبيح عمله ؛ وإنما زيّن له ذلك أصحابه وجلساؤه ، وزيّن له الشيطان كما قال : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) ومن ضم الصاد فالمعنى : أنه صدّه غيره ومن فتح فالمعنى أنه صدّ نفسه أو صدّ غيره (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ) في إبطال آيات موسى (إِلَّا فِي تَبابٍ) أي هلاك وخسار لا ينفعه. ثم عاد الكلام إلى ذكر نصيحة مؤمن آل فرعون وهو قوله (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) أي طريق الهدى وهو الإيمان بالله وتوحيده ، والإقرار بموسى وقيل : إن هذا القائل موسى أيضا عن الجبائي (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) أي انتفاع قليل ثم يزول وينقطع ويبقى وزره وآثامه (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) أي دار الإقامة التي يستقرّ الخلائق فيها فلا تغتروا بالدنيا الفانية ولا تؤثروها على الدار الباقية (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي من عمل معصية فلا يجزى إلا مقدار ما يستحقّه عليها من العقاب لا أكثر من ذلك (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) مصدّق بالله وأنبيائه ؛ شرط الإيمان في قبول العمل الصالح (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) أي زيادة على ما يستحقونه تفضلا من الله تعالى ، ولو كان على مقدار العمل فقط لكان بحساب وقيل معناه : لا تبعة عليهم فيما يعطون من الخير في الجنة ، عن مقاتل قال الحسن : هذا كلام مؤمن آل فرعون ويحتمل أن يكون كلام الله تعالى اخبارا عن نفسه.
٤١ ـ ٤٦ ـ ثم قال (يا قَوْمِ ما لِي) أي ما لكم؟ كما يقول الرجل : ما لي أراك حزينا؟ معناه : ما لك ومعناه : أخبروني عنكم كيف هذه الحال (أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) من النار بالإيمان بالله (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) أي إلى الشرك الذي يوجب النار ، ومن دعا إلى سبب الشيء فقد دعا إليه. ثم فسّر الدعوتين بقوله (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) ولا يجوز حصول العلم به إذ لا يجوز قيام الدلالة على اثبات شريك لله تعالى لا من طريق السمع ولا من طريق العقل (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) أي إلى عبادة القادر الذي لا يقهر ولا يمنع فينتقم من كل كفار عنيد ، الغافر لذنوب من يشاء من أهل التوحيد (لا جَرَمَ) قيل معناه : حقّا مقطوعا به من الجرم وهو القطع قال الزجاج حكاية عن الخليل : هو ردّ الكلام والمعنى : وجب وحق (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) أي وجب بطلان دعوته يقول : لا بدّ انما تدعونني إليه من عبادة الأصنام أو عبادة فرعون ليس له دعوة نافعة (فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) فأطلق أنه ليس له دعوة ليكون أبلغ وان توهّم جاهل أن له دعوة ينتفع بها فإنه لا يعتدّ بذلك لفساده وتناقضه وقيل معناه : ليست لهذه الأصنام استجابة دعوة أحد في الدنيا ولا في الآخرة ، فحذف المضاف عن السدي وقتادة والزجاج وقيل معناه : ليست له دعوة في الدنيا لأن الأصنام لا تدعو إلى عبادتها فيها ، ولا في الآخرة لأنها تبرأ من عبادها فيها (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) أي ووجب ، وأن مرجعنا ومصيرنا إلى الله فيجازي كلّا بما يستحقه (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) أي ووجب أن المسرفين الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك وسفك الدماء بغير حقها (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) الملازمون لها ثم قال لهم على وجه التخويف والوعظ (فَسَتَذْكُرُونَ) صحة (ما أَقُولُ لَكُمْ) إذا حصلتم في العذاب يوم القيامة وقيل معناه : فستذكرون عند نزول العذاب بكم ما أقول لكم من النصيحة (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) أي أسلم أمري إلى الله وأتوكل عليه ، وأعتمد على لطفه والأمر اسم جنس (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي عالم بأحوالهم وبما يفعلونه من طاعة ومعصية ؛ وأظهر إيمانه بهذا القول (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) أي