الْأَحْزابِ) أي عذابا مثل يوم الأحزاب ، قال الجبائي : القائل لذلك موسى ، لأنّ المؤمن من آل فرعون كان يكتم إيمانه ؛ وهذا لا يصح لأنّه قريب من قوله : ((أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ)) ، أراد بالأحزاب التي تحزّبت على أنبيائها بالتكذيب.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم فسرّ سبحانه ذلك فقال (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) والدأب العادة ومعناه : إني أخاف عليكم مثل سنة الله في قوم نوح وعاد وثمود ، وحالهم حين أهلكهم الله واستأصلهم جزاء على كفرهم (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) وفي هذا أوضح دلالة على فساد قول المجبرة القائلة بأن كل ظلم يكون في العالم فهو بإرادة الله تعالى ، ثم حذّرهم عذاب الآخرة أيضا فقال : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) حذف الياء للاجتزاء بالكسرة الدالة عليها وهو يوم القيامة ينادي فيه بعض الظالمين بعضا بالويل والثبور وقيل : انه اليوم الذي ينادي فيه أصحاب الجنة أصحاب النار أصحاب الجنة : (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) عن الحسن وقتادة وابن زيد وقيل ينادى فيه كل أناس بإمامهم (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) أي يوم تعرضون على النار فارّين منها مقدرين أن الفرار ينفعكم وقيل : منصرفين إلى النار بعد الحساب عن قتادة ومقاتل (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي مانع من عذاب الله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي من يضلل الله عن طريق الجنة فما له من هاد يهديه إليها (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) وهو يوسف بن يعقوب بعثه الله رسولا إلى القبط (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل موسى (بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الواضحات (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) من عبادة الله تعالى وحده لا شريك له عن ابن عباس وقيل ممّا دعاكم إليه من الدين (حَتَّى إِذا هَلَكَ) أي مات (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) أي أقمتم على كفركم وظننتم أن الله تعالى لا يجدّد لكم ايجاب الحجة (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الضلال (يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) على نفسه كافر. وأصل الإسراف مجاوزة الحد (مُرْتابٌ) أي شاكّ في التوحيد ونبوة الأنبياء (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) أي في دفع آيات الله وابطالها (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) أي بغير حجة (أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) أي كبر ذلك الجدال منهم عداوة عند الله (وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله والمعنى : مقته الله تعالى ولعنه وأعدّ له العذاب ، ومقته المؤمنون وأبغضوه بذلك الجدال ، وأنتم جادلتم وخاصمتم في ردّ آيات الله مثلهم فاستحققتم ذلك (كَذلِكَ) أي مثل ما طبع على قلوب أولئك بأن ختم عليها علامة لكفرهم (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) يفعل ذلك عقوبة له على كفره ؛ والجبار : صفة للمتكبّر وهو الذي يأنف من قبول الحق وقيل : وهو القتال.
٣٦ ـ ٤٠ ـ ثم بيّن سبحانه ما موّه به فرعون على قومه لما وعظه المؤمن وخوّفه من قتل موسى ، وانقطعت حجّته بقوله : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ) وهو وزيره وصاحب أمره (ابْنِ لِي صَرْحاً) أي قصرا مشيدا بالآجر وقيل : مجلسا عاليا عن الحسن (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) ثم فسّر تلك الأسباب فقال : (أَسْبابَ السَّماواتِ) والمعنى : لعلّي أبلغ الطرق من سماء إلى سماء عن السدي وقيل : أبلغ أبواب طرق السماوات ، عن قتادة وقيل : منازل السماوات عن ابن عباس وقيل : لعلّي أتسبّب وأتوصل به إلى مرادي وإلى علم ما غاب عنّي ثم بيّن مراده فقال أسباب السماوات (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) أي فأنظر إليه ؛ فأراد به التلبيس على الضعفة مع علمه باستحالة ذلك عن الحسن وقيل : أراد فأصل إلى إله موسى فغلبه الجهل واعتقد أن الله سبحانه في السماء وأنه يقدر على بلوغ السماء