٢٦ ـ ٣٠ ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) أي قال لقومه اتركوني أقتله ، وفي هذا دلالة على أنه كان في خاصة فرعون قوم يشيرون عليه بأن لا يقتل موسى ، ويخوّفونه بأن يدعو ربه فيهلك فلذلك قال (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) وقيل : انهم قالوا له : هو ساحر فإن قتلته قبل ظهور الحجة قويّت الشبهة بمكانه ، بل أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين وقوله : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) معناه : وقولوا له ليدع ربه وليستعن به في دفع القتل عنه ، فإنه لا يجيء من دعائه شيء ، قاله تجبّرا وعتوّا وجرأة على الله (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) ان لم أقتله وهو ما تعتقدونه من إلهيتي (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) بأن يتبعه قوم ويحتاج إلى أن نقاتله فيخرب فيما بين ذلك البلاد ، ويظهر الفساد. فلما قال فرعون هذا استعاذ موسى بربّه وذلك قوله (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) أي اني اعتصمت بربي الذي خلقني وربكم الذي خلقكم من شرّ كلّ متكبّر على الله ، متجبّر عن الإنقياد له ، لا يصدق بيوم المجازاة ، ليدفع شرّه عني ولما قصد فرعون قتل موسى وعظهم المؤمن من آله وهو قوله : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) في صدره على وجه التقية. قال ابن عباس : لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى فقال : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ). قال السدي ومقاتل ، وكان ابن عم فرعون ، وكان آمن بموسى وهو الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وقيل ، انه كان وليّ عهده من بعده ، وكان اسمه حبيب وقيل : اسمه حزبيل (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) وهو استفهام انكار (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) أي بما يدل على صدقه من المعجزات مثل العصا واليد وغيرهما (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) إنما قال هذا على وجه التلطف كقوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ومعناه : ان يك كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) قيل : ان موسى كان يعدهم بالنجاة ان آمنوا ، وبالهلاك ان كفروا. وقيل : انما قال بعض الذي يعدكم ، لأنه توعّدهم أمورا مختلفة منها : الهلاك في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فيكون هلاكهم في الدنيا بعض ما توعّدهم به. وقيل : استعمل البعض في موضع الكل تلطفا في الخطاب ، وتوسّعا في الكلام كما قال الشاعر :
قد يدرك المتأني بعض حاجته |
|
وقد يكون من المستعجل الزلل |
وكأنّه قال : أقل ما فيه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم ، وفي ذلك البعض هلاككم وقال علي بن عيسى : انما قال : بعض الذين يعدكم على المظاهرة بالحجاج ، أي انه يكفي بعضه فكيف جميعه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) أي لا يهدي إلى جنته وثوابه من هو مسرف على نفسه ، متجاوز عن الحد في المعصية ، كذّاب على ربه. ثم ذكرهم هذا المؤمن ما هم فيه من الملك ليشكروا الله على ذلك بالإيمان به فقال : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) أي لكم السلطان على أهل الأرض ، يعني أرض مصر اليوم (ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) أي عالين فيها ، غالبين عليها ، قاهرين لأهلها (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) أي من يمنعنا من عذاب الله (إِنْ جاءَنا) ومعناه : لا تتعرّضوا لعذاب الله بقتل النبي وتكذيبه فلا مانع لعذاب من عذاب الله ان حل بكم (قالَ فِرْعَوْنُ) عند ذلك (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) أي ما أشير عليكم إلا بما أراه صوابا وأرضاه لنفسي (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) وما أرشدكم إلا إلى ما هو طريق الرشاد والصواب عندي ، وهو قتل موسى ، والتكذيب به ، واتخاذي إلها وربا. ثم ذكرهم ما نزل بمن قبلهم وذلك قوله (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ