الْحِسابِ) لا يشغله محاسبة واحد عن محاسبة غيره.
١٨ ـ ٢٠ ـ ثم أمر سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يخوّف المكلفين يوم القيامة فقال (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) أي الدانية وهو يوم القيامة ، لأن كل ما هو آت دان قريب (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة ومثله قوله : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) (كاظِمِينَ) أي مغمومين مكروبين ممتلئين غمّا ، قد أطبقوا أفواههم على قلوبهم من شدة الخوف (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) يريد ما للمشركين والمنافقين من قريب ينفعهم (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) فيهم فتقبل شفاعته عن ابن عباس ومقاتل (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) أي خيانتها ، وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه ، عن مجاهد وقتادة والخائنة مصدر مثل الخيانة ، كما ان الكاذبة واللاغية بمعنى الكذب واللغو وقيل : ان تقديره : يعلم الأعين الخائنة ، عن مؤرج وقيل : هو الرمز بالعين عن السدي وقيل : هو قول الإنسان : ما رأيت وقد رأى ، ورأيت وما رأى ، عن الضحاك (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) ويعلم ما تضمره الصدور. وفي الخبر : أن النظرة الأولى لك والثانية عليك ، فعلى هذا تكون الثانية محرّمة ، فهي المراد بخائنة الأعين (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) أي يفصل بين الخلائق بالحق ، فيوصل كل ذي حقّ إلى حقّه (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) من الأصنام (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) لأنها جماد (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي الذي يجب أن يسمع المسموعات ، ويبصر المبصرات إذا وجدتا وهاتان الصفتان في الحقيقة ترجعان إلى كونه حيّا لا آفة به ، وقال قوم : معناهما العالم بالمسموعات ، والعالم بالمبصرات ، والأول هو الصحيح.
٢١ ـ ٢٥ ـ ثم نبّههم سبحانه على النظر بقوله (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) من المكذّبين من الأمم لرسلهم (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) في أنفسهم (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) أي وأكثر عمارة للأبنية العجيبة وقيل : وأبعد ذهابا في الأرض لطلب الدنيا (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) أي أهلكهم الله بسبب ذنوبهم (وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي دافع يدفع عنهم عذابه ، ويمنع من نزوله بهم (ذلِكَ) العذاب الذي نزل بهم (بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات الباهرات ، والدلالات الظاهرات (فَكَفَرُوا) بها (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) أي أهلكهم عقوبة على كفرهم (إِنَّهُ قَوِيٌ) قادر على الانتقام منهم (شَدِيدُ الْعِقابِ) أي شديد عقابه. ثم ذكر قصة موسى وفرعون ليعتبروا بها فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي بعثناه بحججنا ودلالاتنا (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي حجة ظاهرة نحو : قلب العصا حيّة ، وفلق البحر (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ) كان موسى رسولا إلى كافتهم إلا انه خصّ فرعون لأنه كان رئيسهم ، وكان هامان وزيره ، وقارون صاحب كنوزه ، والباقون تبع لهم ، وإنما عطف السلطان على الآيات لاختلاف اللفظين تأكيدا ، وقيل : المراد بالآيات حجج التوحيد والعدل ، وبالسلطان المعجزات الدالة على نبوته (فَقالُوا ساحِرٌ) أي مموّه (كَذَّابٌ) فيما يدعو إليه (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا) أي فلما أتاهم موسى بالتوحيد والدلالات عليه من عندنا وقيل المراد بالدين الحق (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي أمروا بقتل الذكور من قوم موسى لئلا يكثر قومه ولا يتقوى بهم ، وباستبقاء نساءهم للخدمة ؛ وهذا القتل غير القتل الأول ، لأنه أمر بالقتل الأول لئلا ينشأ منهم من يزول ملكه على يده ثم ترك ذلك ، فلما ظهر موسى عاد إلى تلك العادة ، فمنعهم الله عنه بإرسال الدم والضفادع والطوفان والجراد كما مضى ذكر ذلك. ثم أخبر سبحانه أنّ ما فعله من قتل الرجال واستحياء النساء لم ينفعه بقوله (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي في ذهاب عن الحق لا ينتفعون به.