ان الإماتة الأولى في الدنيا بعد الحياة ، والثانية في القبر قبل البعث ، والإحياء الآتي في القبر للمسائلة والثانية في الحشر ، عن السدي ، وهو إختيار البلخي (وثانيها) ان الإماتة الأولى حال كونهم نطفا فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة الثانية ، ثم أحياهم للبعث ، فهاتان حياتان وموتتان ونظيره قوله ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً)) الآية ، عن ابن عباس وقتادة والضحّاك ، واختاره أبو مسلم ، وثالثها : أنّ الحياة الأولى في الدنيا ، والثانية في القبر ، ولم يرد الحياة يوم القيامة ، والموتة الأولى في الدنيا ، والثانية في القبر ، عن الجبائي (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) التي اقترفناها في الدنيا (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) هذا تلطف منهم في الاستدعاء ، أي هل بعد الاعتراف سبيل إلى الخروج؟ وقيل انهم سألوا الرجوع إلى الدنيا ، أي هل من خروج من النار إلى الدنيا لنعمل بطاعتك؟ ولو علم الله سبحانه أنهم يفلحون لردّهم إلى حال التكليف ولذلك قال : ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه ، تنبيها على أنهم لو صدقوا في ذلك لأجابهم إلى ما تمنّوه (ذلِكُمْ) أي ذلكم العذاب الذي حلّ بكم (بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) أي إذا قيل : لا إله إلا الله قلتم : أجعل الآلهة إلها واحدا ، وجحدتم ذلك (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي وان يشرك به معبود آخر من الأصنام والأوثان تصدقوا (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) في ذلك ، والفصل بين الحق والباطل (الْعَلِيِ) القادر على كل شيء ليس فوقه من هو أقدر منه أو من يساويه في مقدوره (الْكَبِيرِ) العظيم في صفاته التي لا يشاركه فيها غيره (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) أي مصنوعاته التي تدل على كمال قدرته وتوحيده من السماء والأرض والشمس والقمر (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) من الغيث والمطر الذي ينبت ما هو رزق للخلق (وَما يَتَذَكَّرُ) أي وما يتّعظ بهذه الآيات ، وليس يتفكر في حقيقتها (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) إلا من يقبل إلى طاعة الله. ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي وجّهوا عبادتكم إليه تعالى وحده (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) فلا تبالوا بهم. ثم وصف سبحانه نفسه فقال (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) الرفيع : بمعنى الرافع ، أي هو رافع السماوات السبع (ذُو الْعَرْشِ) أي مالك العرش وخالقه وربه (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) الروح : هو القرآن وكل كتاب أنزله الله تعالى على نبيّ من أنبيائه (لِيُنْذِرَ) النبي بما أوحي إليه (يَوْمَ التَّلاقِ) يلتقي الأولون والآخرون وقيل : يلتقي المرء وعمله (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) من قبورهم ، وقيل : يبرز بعضهم لبعض ، فلا يخفى على أحد حال غيره ، لأنّه ينكشف ما يكون مستورا (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) أي من أعمالهم وأحوالهم ، ويقول الله في ذلك اليوم (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيقرّ المؤمنون والكافرون بأنّه (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) وقيل : إنه سبحانه هو القائل لذلك ، وهو المجيب لنفسه ؛ قال محمد بن كعب القرظي : يقول الله تعالى ذلك بين النفختين ، حيث يفني الخلائق كلها ، ثم يجيب نفسه لأنه بقي وحده ، والأوّل أصح ، لأنّه بيّن أنه يقول ذلك يوم التلاق ، يوم يبرز العباد من قبورهم ، وإنّما خصّ ذلك اليوم بأنّ له الملك فيه ، لأنّه قد ملك العباد بعض الأمور في الدنيا ، ولا يملك أحد شيئا ذلك اليوم ، فإن قيل : أليس يملك الأنبياء والمؤمنون في الآخرة الملك العظيم؟ فالجواب : أنّ أحدا لا يستحق اطلاق الصفة بالملك إلّا الله ، لأنه يملك جميع الأمور من غير تمليك مملّك ، وقيل : إنّ المراد به يوم القيامة قبل تمليك أهل الجنة ما يملكهم (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) يجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. وفي الحديث : أن الله تعالى يقول : أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقضه منه ، ثم تلا هذه الآية (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) أي لا ظلم لأحد على أحد ، ولا ينقص من ثواب أحد ، ولا يزاد في عقاب أحد (إن الله سريع