بيّنه الله تعالى وجاءت به رسله ، أي ليبطلوه ويزيلوه يقال : أدحض الله حجّته أي أزالها (فَأَخَذْتُهُمْ) بالعقاب أي أهلكتهم ودمّرت عليهم وعاقبتهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) أي فانظر كيف كان عقابي لهم؟ وهذا استفهام تقرير لعقوبتهم الواقعة بهم.
٦ ـ ١٠ ـ ثم قال سبحانه (وَكَذلِكَ) أي ومثل ما حق على الأمم المكذبة من العقاب (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي العذاب (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) من قومك ، أي أصرّوا على كفرهم (أَنَّهُمْ) أي لأنهم (أَصْحابُ النَّارِ) ثم أخبر سبحانه عن حال المؤمنين وأنه تستغفر لهم الملائكة مع عظم منزلتهم عند الله تعالى ، فحالهم بخلاف أحوال من تقدّم ذكرهم من الكفار فقال : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) عبادة لله وامتثالا لأمره (وَمَنْ حَوْلَهُ) يعني الملائكة المطيفين بالعرش وهم الكروبيّون وسادة الملائكة (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي ينزّهون ربهم عما يصفه به هؤلاء المجادلون وقيل يسبّحونه بالتسبيح المعهود ويحمدونه على انعامه (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) أي ويصدّقون به ، ويعترفون بوحدانيته (وَيَسْتَغْفِرُونَ) أي ويسألون الله المغفرة (لِلَّذِينَ آمَنُوا) من أهل الأرض ، أي صدّقوا بوحدانية الله ، واعترفوا بإلهيته وبما يجب الاعتراف به ، يقولون في دعائهم لهم (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، رَحْمَةً وَعِلْماً) أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، والمراد بالعلم المعلوم كما في قوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) ، أي بشيء من معلومه على التفصيل ، فجعل العلم في موضع المعلوم والمعنى : أنه لا اختصاص لمعلوماتك بل أنت عالم بكل معلوم ، ولا تختص رحمتك حيّا دون حيّ بل شملت جميع الحيوانات. وفي هذا تعليم الدعاء ليبدأ بالثناء عليه قبل السؤال (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) من الشرك والمعاصي (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) الذي دعوت إليه عبادك وهو دين الإسلام (وَقِهِمْ) أي وادفع عنهم (عَذابَ الْجَحِيمِ) وفي هذه الآية دلالة على ان اسقاط العقاب عند التوبة تفضّل من الله تعالى ، إذ لو كان واجبا لكان لا يحتاج فيه إلى مسألتهم ، بل كان يفعله الله سبحانه لا محالة (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ) مع قبول توبتهم ووقايتهم النار (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) على ألسن أنبيائك (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) ليكمل أنسهم ، ويتمّ سرورهم (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) القادر على من يشاء (الْحَكِيمُ) في أفعالك (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أي وقهم عذاب السيئات ، ويجوز أن يكون العذاب هو السيئات وسمّاه السيئات اتساعا كما قال : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) أي ومن تصرف عنه شرّ معاصيه يوم القيامة بإسقاط عذابها فقد أنعمت عليه (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي الظفر بالبغية والفلاح العظيم ، ثم عاد الكلام إلى من تقدّم ذكرهم من الكفار فقال عزّ إسمه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ) أي يناديهم الملائكة يوم القيامة (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) والمقت : أشد العداوة والبغض ، والمعنى أنهم لما رأوا أعمالهم ، ونظروا في كتابهم ، وادخلوا النار مقتوا أنفسهم لسوء صنيعهم ، فنودوا : لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم ، عن مجاهد وقتادة والسدي وقيل : انهم لما تركوا الإيمان وصاروا إلى الكفر فقد مقتوا أنفسهم أعظم المقت ، وهذا كما يقول أحدنا لصاحبه إذا كنت لا تبالي بنفسك فمبالاتي بك أقل ، وليس يريد أنه لا يبالي بنفسه بل يريد أن يفعل فعل من هو كذلك ، عن البلخي.
١١ ـ ١٧ ـ ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين تقدّم وصفهم بعد حصولهم في النار بأنهم قالوا (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) اختلف في معناه على وجوه (أحدها)