١١ ـ ١٥ ـ (قُلْ) يا محمد للمكلّفين (يَتَوَفَّاكُمْ) أي يقبض أرواحكم أجمعين (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أي وكل بقبض أرواحكم عن ابن عباس قال : جعلت الدنيا بين يدي ملك الموت مثل جام يأخذ منها ما شاء إذا قضى عليه الموت من غير عناء ، وخطوته ما بين المشرق والمغرب وقيل : ان له أعوانا كثيرة من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ويدل عليه قوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) وقوله : (تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي إلى جزاء ربكم من الثواب والعقاب تردون ، وجعل ذلك رجوعا إليه تفخيما للأمر ، وتعظيما للحال. ثم أخبر سبحانه عن حالهم في القيامة وعند الحساب فقال : (وَلَوْ تَرى) يا محمد ، أو أيها الإنسان (إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) أي يوم القيامة حين يكون المجرمون متطأطئى رؤوسهم ومطرقيها حياء وندما وذلا (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي عند ما يتولى الله سبحانه حساب خلقه يقولون (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) أي أبصرنا الرشد ، وسمعنا الحق (فَارْجِعْنا) أي فارددنا إلى دار التكليف (نَعْمَلْ صالِحاً) من الصالحات (إِنَّا مُوقِنُونَ) اليوم لا نرتاب شيئا من الحق والرسالة. ثم قال سبحانه (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) بأن نفعل أمرا من الأمور يلجئهم إلى الإقرار بالتوحيد ، ولكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف لأن المقصود به استحقاق الثواب ، والإلجاء لا يثبت معه استحقاق الثواب (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) أي الخبر والوعيد (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي من كلا الصنفين بكفرهم بالله سبحانه ، وجحدهم وحدانيته ، وكفرانهم نعمته ، والقول من الله سبحانه بمنزلة القسم فلذلك أتى بجواب القسم وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي بما فعلتم فعل من نسي لقاء جزاء هذا اليوم فتركتم ما أمركم الله به وعصيتموه ؛ والنسيان الترك (إِنَّا نَسِيناكُمْ) أي فعلنا معكم فعل من نسيكم من ثوابه أي ترككم من نعيمه جزاء على ترككم طاعتنا (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) الذي لا فناء له (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الكفر والمعاصي. ثم أخبر سبحانه عن حال المؤمنين فقال : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) أي يصدّق بالقرآن وسائر حججنا (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) تذكروا واتعظوا بمواعظها بأن (خَرُّوا سُجَّداً) أي ساجدين شكرا لله سبحانه على أن هداهم بمعرفته ، وأنعم عليهم بفنون نعمته (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي نزّهوه عما لا يليق به من الصفات ، وعظّموه وحمدوه (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته ، ولا يستنكفون من طاعته ، ولا يأنفون أن يعفروا وجوههم صاغرين له.
١٦ ـ ٢٠ ـ (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) أي ترتفع جنوبهم عن مواضع اضطجاعهم لصلاة الليل ، وهم المتهجّدون بالليل ، الذين يقومون عن فرشهم للصلاة. وعن بلال قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وإن قيام الليل قربة إلى الله ، ومنهاة عن الإثم ، وتكفير للسيئات ، ومطردة الداء عن الجسد (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً) من عذاب الله (وَطَمَعاً) في رحمة الله (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في طاعة الله وسبيل ثوابه ووجه المدح في هذه الآية أن هؤلاء المؤمنين يقطعهم اشتغالهم بالصلاة والدعاء عن طيب المضجع لانقطاعهم إلى الله تعالى ، فآمالهم مصروفة إليه ، واتكالهم في كل الأمور عليه. ثم ذكر سبحانه جزاءهم فقال (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) أي لا يعلم أحد ما خبىء لهؤلاء الذين ذكروا مما تقرّبه أعينهم (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الطاعات في دار الدنيا (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) هذا استفهام يراد به التقرير ، أي أيكون من هو مصدّق بالله على الحقيقة ، عارفا بالله وبأنبيائه ، عاملا بما أوجبه الله عليه وندبه إليه ، مثل من هو فاسق خارج عن طاعة الله ، مرتكب لمعاصي الله. ثم قال (لا يَسْتَوُونَ) لأن منزلة المؤمن درجات