في أنه كلام رب العزة لعجزهم عن الإتيان بمثله وقيل ان لفظه الخبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه والريب أقبح الشك (أَمْ يَقُولُونَ) أي بل يقولون (افْتَراهُ) وليس الأمر على ما يقولون (بَلْ هُوَ الْحَقُ) نزل عليك (مِنْ رَبِّكَ) والحق هو كل شيء من اعتقده كان معتقده على ما هو به ما يدعو العقل إلى استحقاق المدح عليه وتعظيمه ، فالكتاب حقّ لأن من اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به والباطل نقيض الحق (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) يعني قريشا إذ لم يأتهم نبيّ قبل نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن أتى غيرهم من قبائل العرب مثل خالد بن سنان العبسي وقيل : يعني أهل الفترة بين عيسى ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكانوا كأنّهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله ، وما خلقهم له من العبادة عن ابن عباس (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي ليهتدوا ، ثم ذكر سبحانه الدلالة على وحدانيته فقال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي فيما قدّره ستة أيام ، لأن قبل الشمس لم يكن ليل ولا نهار (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) بالقهر والإستعلاء ، وهو مفسر في سورة الأعراف (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أي ليس لكم من دون عذابه وليّ ، أي قريب ينفعكم ويردّ عذابه عنكم ، ولا شفيع يشفع لكم (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتفكرون فيما قلناه وتعتبرون به ، فتعلموا صحة ما بيّناه لكم (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) أي خلقهما وما بينهما في هذه المدة يدبّر الأمور كلها ويقدّرها على حسب إرادته فيما بين السماء والأرض ، وينزله مع الملك إلى الأرض (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) الملك ، أي يصعد إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يصعد إليه (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) أي يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة مما يعدّه البشر ، خمس مائة عام نزوله ، وخمس مائة عام صعوده ومعناه : أنه ينزل الملك بالتدبير أو الوحي ، ويصعد إلى السماء فيقطع في يوم واحد من أيام الدنيا مسافة ألف سنة مما تعدّونه أنتم ، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم.
٦ ـ ١٠ ـ ثم أكّد سبحانه ما تقدّم من دلائل وحدانيته ، واعلام ربوبيته فقال : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي الذي يفعل ذلك ويقدر عليه هو العالم بما يشاهد وما لا يشاهد ، وبما غاب عن الخلق وما حضر (الْعَزِيزُ) المنيع في ملكه (الرَّحِيمُ) بأهل طاعته (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي أحكم كل شيء خلقه وأتقنه وقيل : الذي جعل كل شيء في خلقه حسنا حتى جعل الكلب في خلقه حسنا عن ابن عباس والمعنى : انه أحسن خلقه من جهة الحكمة فكل شيء خلقه وأوجده فيه وجه من وجوه الحكمة (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) أي ابتدأ خلق آدم الذي هو أول البشر من طين (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) أي نسل الإنسان الذي هو آدم يعني ولده (مِنْ سُلالَةٍ) وهي الصفوة التي تنسل من غيرها ، ويسمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أي ضعيف (ثُمَّ سَوَّاهُ) أي جعله بشرا سويّا ، وعدله ورتّب جوارحه (وَنَفَخَ فِيهِ) أي في ذلك المخلوق (مِنْ رُوحِهِ) أضاف الروح إلى نفسه إضافة اختصاص وملك على وجه التشريف. ثم قال سبحانه مخاطبا لذريته (وَجَعَلَ لَكُمُ) أيها الخلق (السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) لتسمعوا المسموعات ، وتبصروا المبصرات (وَالْأَفْئِدَةَ) أي وجعل لكم القلوب لتعقلوا بها (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) تقديره : قليلا شكركم لهذه النعم (وَقالُوا) يعني منكري البعث (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي غبنا في الأرض وصرنا ترابا (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي نبعث ونحيى؟ فهو استفهام معناه الإنكار والمعنى : كيف نخلق جديدا ونعاد بعد أن هلكنا وتفرّقت أجسامنا. ثم قال سبحانه (بَلْ هُمْ) أي هؤلاء الكفار (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) أي ما وعد ربهم به من الثواب والعقاب (كافِرُونَ) أي جاحدون.