الجنان ، ومنزلة الفاسق دركات النيران. ثم فسّر ذلك بقوله (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) يأوون إليها (نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي عطاء بما كانوا يعملون ، عن الحسن ، وقيل : ينزلهم الله فيها نزلا كما ينزل الضيف ، يعني انهم كانوا في حكم الاضياف (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ) الذي يأوون إليه (النَّارُ) نعوذ بالله منها (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) أي كلما همّوا بالخروج منها لما يلحقهم من ألم العذاب (أُعِيدُوا) أي ردّوا (فِيها) وقد مرّ بيانه في سورة الحج (وَقِيلَ لَهُمْ) مع ذلك (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) أي لا تصدقون به وتجحدونه. الآيات نزلت في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام والوليد بن عقبة ، فالمؤمن عليّ والفاسق الوليد ؛ وذلك أنه قال لعليّ عليهالسلام : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ منك سنانا ، فقال عليّ عليهالسلام : ليس كما تقول يا فاسق. قال قتادة : لا والله ما استووا لا في الدنيا ، ولا عند الموت ، ولا في الآخرة.
٢١ ـ ٢٥ ـ ثم أقسم سبحانه في هذه الآية فقال (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) أما العذاب الأكبر فهو عذاب جهنّم في الآخرة ، وأما العذاب الأدنى ففي الدنيا واختلف فيه فقيل : انه المصائب والمحن في الأنفس والأموال عن أبيّ بن كعب وابن عباس وأبي العالية والحسن وقيل : هو القتل يوم بدر بالسيف عن ابن مسعود وقتادة والسدي وقيل : هو ما ابتلوا به من الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والكلاب عن مقاتل وقيل : هو الحدود عن عكرمة وابن عباس وقيل : هو عذاب القبر عن مجاهد ، وروي أيضا عن أبي عبد الله (ع) (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي ليرجعوا إلى الحق ، ويتوبوا من الكفر وقيل : ليرجع الآخرون عن أن يذنبوا مثل ذنوبهم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) أي لا أحد أظلم لنفسه ممن نبّه على حجج الله التي توصله إلى معرفته ومعرفة ثوابه (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) جانبا ولم ينظر فيها (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) الذين يعصون الله تعالى بقطع طاعاته وتركها (مُنْتَقِمُونَ) بأن نحلّ العقاب بهم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) أي في شكّ من لقائه ، أي من لقائك موسى ليلة الإسراء بك إلى السماء عن ابن عباس ؛ وقد ورد في الحديث أنه قال : رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى بن مريم رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، فعلى هذا فقد وعد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ، وبه قال مجاهد. وقيل معناه : فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى الأذى عن الحسن ، فكأنه قال فلا تك في مرية من أن تلقى كما لقي موسى (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي وجعلنا موسى هاديا لهم عن قتادة وقيل : وجعلنا الكتاب هاديا لهم عن الحسن (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أي وجعلنا منهم رؤساء في الخير يقتدى بهم ، يهدون إلى أفعال الخير بإذن الله عن قتادة وقيل : هم الأنبياء الذين كانوا فيهم يدلّون الناس على الطريق المستقيم بأمر الله (لَمَّا صَبَرُوا) أي لما صبروا وجعلوا أئمة (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) لا يشكّون فيها (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يحكم بين المؤمن والكافر والفاسق (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من التصديق برسل الله ، والإيمان بالبعث والنشور ، وغير ذلك من أعمالهم وأمور دينهم.
٢٦ ـ ٣٠ ـ (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أي أو لم يبصرهم ويبين لهم (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) الماضية جزاء على كفرهم بالله ، وارتكابهم لمعاصيه (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) معناه : أنا أهلكناهم بغتة وهم مشاغيل بنفوسهم ، يمشون في