يَهْتَدُونَ) أي لكي يهتدوا إلى طريق الحق والصواب (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) أي حجّة على قدرتنا على الإختراع ، وآية عيسى أنه خلق من غير ذكر ، وآية مريم أنها حملت من غير فحل (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) أي جعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا واسعا ، والربوة التي أويا إليها ، هي الرملة ، وقيل : بيت المقدس عن قتادة وكعب ، وقيل : هي حيرة الكوفة وسوادها ، والقرار : مسجد الكوفة ، والمعين : الفرات (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) معناه : أي ذات موضع قرار ، أي هي أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها.
٥١ ـ ٥٥ ـ لما أخبر الله سبحانه عن إيتائه الكتاب للإهتداء ، ثم عمّا أولاه من سابغ النعماء ، خاطب الرسل بعد ذلك فقال : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) هو خطاب للرسل كلهم وأمر لهم أن يأكلوا من الحلال عن السدي ، وروي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله أنه قال : إن الله طيب لا يقبل إلّا طيبا ، وأنه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي ما أمركم الله به (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) هذا بيان السبب الداعي إلى إصلاح العمل ، فإن العاقل إذا عمل لمن يعلم عمله ويجازيه على حسب ما يعمل من عمله ، وبقدر استحقاقه ، أصلح العمل (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي دينكم دين واحد (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) أي لهذا فاتقوا (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) تفسير الآيتين قد تقدّم في سورة الأنبياء (زُبُراً) أي كتبا ، وهو جمع زبور والمعنى : تفرّقوا في دينهم وجعلوه كتبا دانوا بها وكفروا بما سواها ، كاليهود كفروا بالإنجيل والقرآن ، والنصارى كفروا بالقرآن (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي كل فريق بما عندهم من الدين راضون ، يرون أنهم على الحق. ثم خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (فَذَرْهُمْ) يا محمد (فِي غَمْرَتِهِمْ) أي جهلهم وضلالتهم (حَتَّى حِينٍ) أي وقت الموت (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) معناه : أيظن هؤلاء الكفار أن ما نعطيهم ونزيدهم من أموال وأولاد إنما نعطيهم ثوابا ومجازاة لهم على أعمالهم ، أو لرضانا عنهم ولكرامتهم علينا؟ ليس الأمر كما يظنون ، بل ذلك املاء لهم واستدراج لهوانهم علينا ، وللإبتلاء في التعذيب لهم ، نظيره قوله : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ). وروى السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ان الله تعالى يقول : يحزن عبدي المؤمن إذا قترت عليه شيئا من الدنيا وذلك أقرب له مني ، ويفرح إذا بسطت له الدنيا وذلك أبعد له منّي ، ثم تلا هذه الآية إلى قوله : (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) ثم قال : إن ذلك فتنة لهم ومعنى نسارع : نسرع ونتعجل وتقديره نسارع لهم به في الخيرات ، فحذف به للعلم بذلك كما حذف الضمير من قولهم : السمن منوان بدرهم ، أي منوان منه بدرهم ، والخيرات : المنافع التي يعظم شأنها ، ونقيضها الشرور وهي : المضار التي يشتدّ أمرها والشعور : العلم الذي يدق معلومه وفهمه على صاحبه كدقة الشعر وقيل هو العلم من جهة المشاعر وهن الحواس ولهذا لا يوصف القديم سبحانه به.
٥٧ ـ ٦١ ـ ثم بيّن سبحانه حال الأخيار الأبرار بعد بيانه أحوال الكفار الفجار فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي من خشية عذاب ربهم خائفون ، فيفعلون ما أمرهم به ، وينتهون عما نهاهم عنه ، والخشية : انزعاج النفس بتوهّم المضرة (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أي بآيات الله وحججه من القرآن وغيرها يصدّقون (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) أي لا يشركون بعبادة الله تعالى غيره من الأصنام