الحقيقة وما سواه مجاز ؛ ولأنّ الروايات الظاهرة تشهد له ؛ وأضعفها وأبعدها من شهادة الأثر قول من حمل ذلك على شدّة الغضب واحتداد الأمر تمثيلا وتشبيها ؛ لأنّ حمل الكلام على الحقيقة التي تعضدها الرواية أولى من حمله على المجاز والتوسّع مع فقد الرواية.
وأيّ المعاني أريد بالتنّور فإنّ الله تعالى جعل فوران الماء منه علما لنبيّه ؛ وآية تدلّ على نزول العذاب بقومه ؛ لينجو بنفسه وبالمؤمنين.
فأمّا قوله تعالى : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) فقد قيل : المراد به : إحمل من كلّ ذكر وأنثى اثنين ، وإنّه يقال لكلّ واحد من الذكر والأنثى زوج.
وقال آخرون : الزوجان هاهنا الضربان ؛ وقال آخرون : الزوج : اللون ؛ وإنّ كلّ ضرب يسمى زوجا ؛ واستشهدوا ببيت الأعشى (١) :
وكلّ زوج من الدّيباج يلبسه |
|
أبو قدامة محبورا بذاك معا |
ومعنى «من سبق عليه القول» ؛ أي من أخبر الله تعالى بعذابه وحلول الهلاك به والله أعلم بمراده (٢).
[الثاني : استشهد السيّد بهذه الآية على أن لفظة «أمر» تستعمل بمعنى الفعل أيضا ، قال :] وإنّما يريد الله تعالى بذلك الأهوال والعجائب الّتي فعلها جلّ اسمه ، وخرق بها العادة (٣).
ـ (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦)) [هود : ٤٥ ـ ٤٦].
[إن سأل سائل] فقال : ظاهر قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) يقتضى تكذيب قوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) والنبيّ لا يجوز عليه الكذب ، فما الوجه في ذلك؟ وكيف يصحّ أن يخبر عن ابنه بأنّه (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ)؟ وما المراد به؟
__________________
(١) ديوانه : ٨٦.
(٢) الأمالي ، ٢ : ١٤٨.
(٣) الذريعة ، ١ : ٢٨.