ـ (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) [الأعراف : ١٤٦].
[إن سأل سائل] فقال : ما تأويل هذه الآية على ما يطابق العدل؟ فانّ ظاهرها كأنّه مخالف له.
الجواب : قيل له : في هذه الآية وجوه ؛ منها ما ابتدأناه فيها ، ومنها ما سبقنا به فحرّرناه ، واحترزنا فيه من المطاعن ، وأجبنا عمّا لعلّه يعترض فيه من الشّبه.
أوّلها : أن يكون عنى بذلك صرفهم عن ثواب النظر في الآيات ، وعن العزّ والكرامة الذين يستحقّهما من أدّى الواجب عليه في آيات الله تعالى وأدلّته ، وتمسّك بها. والآيات على هذا التأويل يحتمل أن تكون سائر الأدلة ، ويحتمل أن تكون معجزات الأنبياء عليهمالسلام خاصة ؛ وهذا التأويل يطابقه الظاهر ؛ لأنّه تعالى قال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ؛ فبيّن أنّ صرفهم عن الآيات مستحقّ بتكذيبهم ، ولا يليق ذلك إلّا بما ذكرناه.
وثانيها : أن يصرفهم تعالى عن زيادة المعجزات التي يظهرها الأنبياء عليهمالسلام بعد قيام الحجّة لما تقدّم من آياتهم ومعجزاتهم ؛ لأنّه تعالى إنّما يظهر هذا الضرب من المعجزات إذا علم أنّه يؤمن عنده من لم يؤمن بما تقدّم من الآيات ، فإذا علم خلاف ذلك لم يظهرها ، وصرف الذين علم من حالهم أنّهم لا يؤمنون عنها ، ويكون الصّرف على أحد وجهين : إمّا بأن لا يظهرها جملة ، أو بأن يصرفهم عن مشاهدتها ، ويظهرها بحيث ينتفع بها غيرهم.
فإذا قيل : وما الفرق فيها ذكرتموه بين ابتداء المعجزات ، وبين زيادتها؟
قلنا : الفرق بينهما أنّ المعجز الأوّل يجب إظهاره لإزاحة العلّة في التكليف ؛ ولأنّا به نعلم صدق الرسول المؤدّي إلينا ما فيه لطفنا ومصلحتنا.
فإذا كان التكليف يوجب تعريف المصالح والألطاف لتزاح العلّة ، وكان لا سبيل إلى معرفتها على الوجه الذي يكون عليه لطفا إلّا من قبل الرسول ، وكان